+ A
A -
العالم يتغير، أظن أنه لا خلاف على ذلك. نحو الأفضل أم نحو الأسوأ؟ كثيرون يعتقدون أن ما يجري من تحولات بنيوية عميقة، يفرضها بالأخص التطور التكنولوجي المتسارع في عالم الاتصالات، تفرض المتابعة والترقب. الغرب السياسي يتغير بدون شك، يبدل جلده. منذ أشهر اختارت بريطانيا الخروج من أوروبا والانغلاق على نفسها، وبالأمس اختارت الولايات المتحدة رجل أعمال لرئاسة الجمهورية من خارج الطبقة السياسية، يحمل خطابا شعبويا صاخبا، ويميل أيضا نحو شيء من الانغلاق أو مناكفة «القارة العجوز».
وبعد أشهر تتجه فرنسا على الأرجح إلى اختيار رئيس يميني، ويبقى السؤال فقط ماذا سيكون يمينيا متطرفا وعنصريا يشبه نظيره الأميركي أم يمينيا محافظا بلمسات شعبوية؟ فيما يبقى مصير المستشارة الألمانية انجيلا ميركل غامضا، هي التي تسبح بعكس التيار وتسعى للفوز بولاية رابعة.
الغرب يتغير إذا، يتجه نحو خيارات جذرية بعضها لا يعجبنا بالتأكيد. الغرب يتغير ولكن عن طريق الانتخابات والاختيار الحر للمواطنين في صندوق الاقتراع. أما في الشرق، شرقنا الأوسط فماذا يجري؟ أيضا بلداننا تتغير، وبقوة. ليس عن طريق الانتخابات ولا بإرادة شعوبها، وليس عبر انتفاضات شعبية عرفت بـ«الربيع العربي» تم إجهاضها. إنما عن طريق العنف الذي يجتاح دنيا العرب، عنف «مستورد» من الخارج، عنف دموي نفتح له أبوابنا، يريد تطويعنا وتحويلنا إلى فرق متناحرة، وينذر بمسخ الجغرافيا والحدود، تمهيدا لفرض وقائع جديدة!
الانتخابات تغير في سياسات الغرب، ومخبروها يمهدون لصناعة مستقبل الشرق، بدءا من العراق وسوريا. ففي مؤتمر نظمته جامعة جورج واشنطن عن الشرق الأوسط،، قال مدير المخابرات الفرنسية «إن الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة وأشك أن يعود مجددا إلى الوضع السابق»، مشيرا إلى اتجاه سوريا والعراق نحو التقسيم. كما أن مدير«السي. آي. اي» أبدى في المؤتمر نفسه وجهة نظر مشابهة، وكذلك المسؤول السابق للمخابرات الألمانية كان أكثر وضوحا ان علينا التفكير في رسم حدود جديدة للشرق الأوسط»، وان اللاجئين السوريين الذين تجاوزوا الحدود إلى لبنان والأردن وتركيا، في أكثريتهم «لن يعودوا».
فهل مسؤولو مخابرات الغرب هؤلاء ينقلون فقط ما يشاهدون إلى حكوماتهم، أم انهم يعملون على توجيه سياساتها؟
إن من يستبيح السيادات العربية في الحقيقة هو إيران الخمينية التي تسعى إلى هندسة منظومة إقليمية تخدم مصالحها، من أجل السيطرة على القرار في هذه الدول، والإمساك بالمؤسسات، من خلال مشاركة قادة «الحرس الثوري الإيراني» في صوغ خطط تحرك الجيش العراقي، وفرض قرارات من نوع ضم ميليشيا «الحشد الشعبي» (الشيعية) إلى الجيش وإثارة غضب المكون السني. وقبل هذه تمويل وتسليح ذراعها الضارب في لبنان «حزب الله»، ودفع هذا الحزب للامساك بناصية القرار في لبنان والاندفاع إلى لعب دور في الصراع الدموي الخطير داخل سوريا وما يثيره ذلك من حساسيات مذهبية، وفي سوريا، عبر احتضان بشار الأسد المنبوذ من شعبه، وتدخلها المباشر في الصراع الدائر على الأرض السورية بالمال والسلاح والمقاتلين. وزد على ذلك، تدخل إيراني في البحرين وفي اليمن وفي غيرهما من الدول حيث توجد أقليات شيعية.
وفي مواجهة هذه السياسة الإيرانية التوسعية، يبرز بالتالي الدور السني بزعامة السعودية لاحتواء تنظيمات داعش» و«النصرة» وأخواتها، فتدخلت السعودية في حرب اليمن، وأرسلت قواتها إلى البحرين، ودعمت المعارضة السورية بالمال والسلاح.
أما بالنسبة للجار التركي، فان اردوغان قد أعلن صراحة أن «اتفاق لوزان» قد سقط، من خلال مطالبته بالجزر اليونانية ال12، وإبداء تعاطف الشعب التركي مع الموصل وحلب وكركوك. وقد تقدمت القوات التركية داخل الحدود السورية وأصبحت تسيطر على اكثر من 2000 كيلومتر مربع من خلال المواجهة الدائرة مع التنظيمات الإرهابية في سوريا (بما فيها القوى الكردية).
فمن هنا إلى أين؟
بقلم سعد كيوان
copy short url   نسخ
29/11/2016
2712