+ A
A -
بات من الواضح أن انتخاب دونالد ترامب رئيسا جديدا للولايات المتحدة، إنما جاء بمثابة تعبير عن التحولات الحاصلة داخل أميركا وعلى الصعيد الدولي، وفوزه كان بمثابة صفعة للمؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة التي لم تكن راضية عن ترامب وتوجهاته التي أفصح عنها خلال حملته الانتخابية، وكانت السبب الأساسي وراء نجاحه الكبير وإلحاقه الهزيمة بصناع الرؤساء في أميركا: اللوبيات والكارتيل المالي في وول ستريت، والبنتاغون، وأجهزة الاستخبارات، ومؤسسات الإعلام، ومؤسسات استطلاعات الرأي التي انحازت كلها لمصلحة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، وحاولت أن تؤثر على الرأي العام والقول مسبقا بأن ترامب لا يحظى بفرصة الوصول إلى البيت الأبيض.
إن نجاح ترامب في حصد تأييد غالبية مريحة من الأميركيين إنما جاء نتيجة تعبيره عن حاجتهم إلى إعادة النظر بالسياسات التي أدت إلى إضعاف قوة أميركا وتراجع الحلم الأميركي، وفي الطليعة منها سياسات العولمة والنيوليبرالية، وشن الحروب في العراق وأفغانستان، وإثارة «الفوضى البناءة» ودعم قوى الإرهاب، وهي سياسات تسببت بمفاقمة أزمة أميركا الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وتدفق موجات الهجرة من الدول، التي عانت من هذه السياسات الأميركية، إلى كل من أميركا وأوروبا. ولهذا فقد عكس ترامب في خطاباته رغبة جامحة لدى الرأسمال الوطني في أميركا (الذي يشكل ترامب أحد ممثليه) والأميركيين عموما لعدم التورط بحروب جديدة، وتغيير أولويات السياسة الأميركية بحيث تركز على أولوية محاربة داعش، والتعاون مع روسيا في محاربة الإرهاب وحل المشكلات العالمية، بدلاً من التصادم معها، والاهتمام بالداخل الأميركي بالعمل على تعزيز الاستثمار في الداخل وتوفير فرصة العمل والحد من منافسة العمالة الأجنبية للعمالة الأميركية.
هذا الكلام الواضح في سعي ترامب إلى التصدي للنتائج السلبية للعولمة على الداخل الأميركي، إنما يعكس عمق الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي والأميركيون بفعل العولمة النيوليبرالي الذي اعتمدته النخبة المالية الأميركية. والتي كان قد ركز عليها بشكل مفصل كتاب «فخ العولمة» الذي أسهب في الحديث عن المضاعفات الكارثية لانتقال المعامل الأميركية إلى الصين والعديد من دول العالم الأخرى حيث التكلفة المنخفضة للإنتاج، على الطبقة العاملة في أميركا والغرب. وما أدت إليه من زيادة في حدة التفاوت الاجتماعي وارتفاع في نسب البطالة وتبدل شروط العمل والانقضاض على مكتسبات العمال عبر تغيير قوانين العمل لمصلحة أرباب العمل وبالتالي «الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية».
وهو أمر أشرت إليه وعود ترامب بالعمل على استعادة وظائف التصنيع ووقف الاستعانة بمصادر العمالة الخارجية. ومعاقبة الشركات الأميركية التي تنقل الوظائف إلى الخارج. ما يعني أن سياسة ترامب ستنحو منحى الابتعاد عن سياسة الانفتاح الاقتصادي، والعودة إلى التركيز على تدعيم الاقتصاد في الداخل باعتباره الوسيلة الوحيدة لحل مشكلة البطالة واستعادة الحلم الأميركي.
هذه الأزمة التي تعاني منها أميركا والتراجع في قوتها الاقتصادية وتقلص تفوقها العالمي إنما يتجلى في انتهاء زمن تفرد الولايات المتحدة على القرار الدولي الذي تنبأ به العديد من الكتاب أمثال زبيغينو بريجنسكي، وهنري كيسنجر وغيرهما من صناع السياسة الأميركية في حقب مختلفة، وحذروا مبكراً من هذا المسار الذي تتجه إليه أميركا وقدموا النصائح للإدارات الأميركية للعمل على تجاوز الثغرات التي يعاني منها النظام الأميركي.
فهل ينجح ترامب فيما عجز عن تحقيقه أوباما، وكيف سيخرج أميركا من العولمة في ظل التشابك الكبير الحاصل بين الاقتصاد الأميركي والاقتصاد الصيني على سبيل المثال؟.
المسألة بكل تأكيد أعقد بكثير مما قد يعتقده البعض، فأميركا تستطيع أن تعود إلى سياسة الانغلاق والحمائية لكنها سوف تكون أمام مشكلات كبيرة من نوع آخر وهي أن الصين سترد بالمثل، وعندها كيف ستؤمن أميركا بديلاً عن سوق الصين الأكبر في العالم، ومن هو البديل عن الصين القادر على الاكتتاب بسندات الدين الأميركية، وكيف ستسدد أميركا ديونها المترتبة عليها للصين التي ستطالب بها..
لهذا ليس من السهل على إدراة ترامب أن تأخذ قراراً من هذا النوع من جانب واحد وستكون مضطرة إلى التفاوض مع الصين للتوصل إلى اتفاق أو تسوية إذن ما ارادت تجنب تداعيات سلبية أكثر سوءًا.

بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
26/11/2016
1674