+ A
A -
رائحة «كابتشينو» و«تيركش كوفي».
هذا الكيف، تستكمله سجارة.. سجارتان.
هو، أحمد عمرابي- السفير السابق الذي يزاملني الآن في الوطن القطرية- لا يزال بريطاني الهوى: يدخن بشراهة «بنسون آن هدجز».. وانا «أمركني» هذا «المالبورو الاحمر»!
«الكابتشينو» يُشرب، رشفة رشقة،،
والقهوة- أخت الوقت- تُشرب على مهل، كما يقول اودنيس.
وهي أخُ الإنفلات بالذاكرة- أحيانا- إلى الوراء.. وأختُ الحكي!
راح يحكي: أعجبني مقالك « المخلوع انا وللا الجزولي دفع الله دا؟» وهو المقال الذي حكى عن وصول النميري إلى القاهرة، بعد وقت من إذاعة الفريق اول سوار الذهب، بيان الإنحياز الشهير، لثورة الحلاقيم، في مارس ابريل.
كان ذلك هو المدخل.. و« الكابتشينو» هو أيضا شقيقُ الوقت.. شقيقُ الإنفلات بالذاكرة إلى الوراء.
إنفلت عمرابي- السفير السابق- وعاد.. والقهوة- قهوتي- أختا لمن يُلقي السمع، للتاريخ، وهو شهيد!
يحكي عمرابي، بلسان السفير السابق( أ. ع) وكان هذا الذي بين الهلالين، وقتذاك في الخارجية بالخرطوم:
كان ذلك في العام( 1983) وكانت تلك هي المرة الاولى، التي يطلبُ فيها السفير الأميركي في الخرطوم، رسميا من وزارة الخارجية، مقابلة الرئس نميري. كانت مثل هذه المقابلة، تتم مباشرة بمخاطبة القصر الرئاسي.
رحب القصر سريعا. وجاء السفير الأميركي، لأول مرة، مصطحبا موظفا كبيرا من السفارة، وهو يحمل حقيبة. كانت مهمة الموظف تسجيل وقائع اللقاء- وكان هذا يحدث لأول مرة- جنبا إلى جنب، مع مهمة حمل الشنطة.
السفير(أ ع) يقول: كانت مهمتي، أن أكون حاضرا اللقاء، باعتبار أن الدعوة، جاءت اصلا، عبر الخارجية.
اجتماع:
أشار السفير الأميركي، للموظف، ففتح الشنطة، وأخرج منها ظرفا كبيرا، يحتوي على رزمة اوراق. سلم السفير الظرف للرئيس نميري.
غرس النميري عينيه الإثنتين، لوهلة في الظرف، وحين رفعهما إلى السفير، قال الأخير: هذا هو( مستر بريسداند) كما ترى، التقرير الطبي لحالتك الصحية من مستشفى البحرية الأميركية، الذي تجري فيه،فحوصات دورية.
– ييس!
_ هذا التقرير- ياسيادة الرئيس- يقول باختصار، إن الدم، لا يتدفق كما ينبغي- وبسهولة- إلى شرايين المخ، مما يؤدي إلى عجز في الذاكرة.
كان النميري، لا يزال ينظرُ إلى فم السفير، حين ألقى عليه الاخيرة بالجُملة المربكة، والصادمة في ذات الوقت: سيدي الرئيس: بناء على هذا التقرير الذي بين يديك الآن، وصلني تكليف من رئيس الولايات المتحدة الأميركية- مستر رونالد ريغان- بابلاغكم، التقاعد والتفرغ للعلاج التام!
لم ينتظر السفير، أن يستفيق الرئيس نميري، من المفاجأة الصدمة، فتح فمه: نائبك الأول عمر الطيب، سيتولّى مهامك إلى أن تتعافى تماما..
وفتح فمه – مرة أخرى- يقول بجملة لا تخلو من اللطف: أنت مدعو من جانب الرئيس الأميركي، بالذهاب إلى أميركا، ولا مانع في أن يكون برفقتك، وزير الشؤون الخاصة برئاسة الجمهورية، د. بهاء الدين محمد ادريس!
اربدّ وجه النميري، ولو كان يملك أن يقاطع السفير، لكان..
ولو كان باستطاعته ألا يزبدّ فمه، لكان.
شال نفسه إلى أعلى، وقال بلغة لا تخلو من خشونة: هذا الطلب، أنا أعتبره تدخلا من الرئيس ريغان، في شؤون السودان. أنا جعفر نميري، لا أتلقى تعليمات من ريغان، أو من غير ريغان. أنا الذي يقرر متى أتقاعد. هذا يقرره السودان!
مع الجملة الأخيرة،( وقف السفير الأميركي على حيلو) وقال بانجليزية تخرج من مناخيره: «سوري مستر بريسداند. اعتبر المقابلة، الآن.. انتهت».. وخرج، يتبعه الموظف الكبير، والشنطة فاضية!
# نلتقي في الحلقة الثانية.
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
23/11/2016
1842