+ A
A -
لعل الوصف الأمثل الذي يمكن أن يطلق على الشعوب العربية اليوم هو الكوميديا السوداء، إذ تعاني هذه الشعوب من الحروب والخلافات الدينية والمذهبية الدموية، وتعاني من ارتفاع منسوب الفقر إلى حد لم تصل إليه يوما في الكثير من البلدان العربية، وتعاني من تسلط طبقات سياسية غير معنية إلا بما يضمن بقاءها وبقاء مصالحها ولو تم تدمير حاضر ومستقبل وماضي هذه الدول والبلدان، وتعاني من الجهل الذي يجعل من مشعوذين باسم الدين قادرين على التحكم بيوميات هذه الشعوب، وتعاني من النظرة الفوقية التي يمارسها الأوروبي والأميركي ضد هذه الشعوب، والتي تظهر في المطارات والسفارات حيث يتم التعامل مع أي عربي مهما كان دينه أو مذهبه بوصفه إرهابيا مؤكدا، وتعاني من انعدام آفاق المستقبل لأولادها وأحفادها، فلا يمكن التكهن بما ستكون عليه حال هؤلاء بعد عشرين عاما من اليوم، وتعاني من الخوف من حروب داخلية قد تكون قادمة على من بقي منها حتى الآن بمنأى عن هذه الحروب، وتعاني من القمع وانعدام الحريات وتكميم الأفواه والإقصاء والتجهيل والتحقير والعنف من قبل النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة لهذه الشعوب، تعاني الشعوب العربية من كل ما سبق ومع ذلك تظهر هذه الشعوب عنصرية استثنائية ضد بعضها البعض، يصعب تفهم أسبابها أو مصدرها ومنشأها، قبل أيام قدمت محطة فضائية لبنانية تابعة لتيار لبناني استلم زعيمه رئاسة لبنان مؤخرا، برنامجا يشبه الكاميرا الخفية، كان ضحيته شابا سوريا تمت فيه ممارسة كل ما يمكن من سادية واحتقار وعنصرية ضد هذا الشاب الذي ظن أن المذيع عنصر أمن، فاستحضر في ذهنه كل ما يمكن أن يفعله عنصر الأمن به، ودون وعي نفذ طلبات المذيع كلها بكل فيها من إهانة لهذا الشاب واستهزاء به، في مكان آخر تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي فيديو مروعا لإحدى طالبات جامعة ألبا في لبنان تسأل فيه مجموعة من طالبات الجامعة إن كن يقبلن مرافقة الشباب السوريين، طبعا كل الفتيات اللبنانيات اللاتي كن يتحدثن بالفرنسية لا بالعربية رفضن الفكرة بذريعة أن السوري من ثقافة وحضارة مختلفة ومتخلفة؟! عشرات الحالات والفيديوهات يتم تناقلها يوميا على مواقع التواصل توضح هذه العنصرية الغريبة بين العرب، عنصرية المشرقيين ضد المغاربة والخليج، عنصرية المصريين ضد باقي الشعوب العربية، عنصرية الخليج الغني اقتصاديا ضد الدول الفقيرة، عنصرية أبناء الولد الواحد، الأقليات ضد الأكثرية، وأبناء المدن ضد الريف، والأغنياء ضد الفقراء، عنصرية شاقولية وأفقية ومتقاطعة وبكل الاتجاهات الممكنة، يكفي أن يقرأ أحدنا التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي لدى أي ظاهرة كظاهرة بنات جامعة ألبا، أو على خبر كالمشادة التي حصلت بين عادل إمام وممثل تونسي في مهرجان قرطاج مؤخرا ومئات من هذه القصص السخيفة.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
22/11/2016
2243