+ A
A -
البداية
«ومن طال سكوته.. يجرحه السؤال»
متن:
انتهى ديسمبر.. وانتهى معه الفصل الدراسي
وحتى العام.. لَمْلَمْ بقاياه واستعد للرحيل
الثلوج تغطي المكان
وأشجار العيد زينت حيّنا «بأميركا»
مرحبة بالعام الجديد
الجميع يحزم أمتعته ليعود لوطنه.. أسرته.. وبيته
فالإجازة طويلة والأجواء باردة
ولا شيء يدعو للبقاء
جميعهم عادوا.. إلا هو
جلس على نافذته يتأمل المشهد
يحدق بالحقائب وتذاكر السفر
ويرى الحنين بعيون العائدين لأوطانهم
هو صديقنا من ليبيا
هادئ جدًا وقليل الكلام.. يجيد الرسم بالفحم
وكل لوحاته بالأبيض والأسود.. ورغم كآبة الألوان إلا أنه مبدع
في كل مرة أرغب بسؤاله لماذا لايستخدم الألوان الزاهية بلوحاته.. يضيع السؤال ويتوه بين أروقة الحكايا
عمومًا هذا لا يهم..
ولكوني آخر المغادرين سألته:
متى العودة لليبيا؟
فطال السكوت..
كررت السؤال ثانيةً
فجاء الرد بهدوء: ولِمَ العودة؟
لا شيء بقي لي هناك
لا أسرة ولا بيت
فالحرب لم تبخل علينا بجشعها وخطفت أسرتي
والبيت أكرمته القذائف فساوته بالأرض
عدت من المخبز في ذاك الصباح لأرى صيحات الناس وهم يتراكضون
الكل يتعاون لانتشال أجساد أسرتي من تحت الأنقاض
المنظر أكبر من التحمل
سقطت.. ما عادت قدماي تقوى الوقوف
خسارة.. كنت قد أحضرت لأختي الصغيرة «الفطيرة» التي تحب
لكن الحرب تركتني أعيش لألعن الحياة
حتى استغفرت ربي
أما الأقارب فكلٌ مشغول بحياته ورزقه..
لا وقت لديهم ليفكروا بمن هاجر قبل سنوات فانقطعت كل سبل التواصل رغم تطورها وسهولتها لكننا.. غبنا
ولأني لا أحب أن أكون زائدًا عن الحاجة..
رحلت
وانتهى الكلام
لم ينتظر مني تعقيبًا ولا مواساة..
بل ساعدني وقام ليعد قهوته
فبمثل هذه المواقف لا تضمد الكلمات ذاك الجرح الذي نكشته بحماقتي
آهٍ على هذا الوجع..
وآهٍ على ألم الفقد
الآن عرفت لماذا هذا الهدوء الذي يغلف حياته
والآن فهمت لماذا يحب الرسم بالفحم
لا حاجة لأسأل
فحياته تفتقد لكل الألوان
لا أم تضمه بحنانها ولا أب يسند رأسه على كتفه عندما تكسره الأيام
ولا أخ يشد من أزره كلما أرهقته الحياة
حتى الوطن
فقد قيمته وما عادت له أهمية.. وكما قال:
لِمَ العودة؟
نحن نعود لنرتمي بأحضان أسرتنا وأحبابنا.. نضمهم بحنين يطفئ لهيب الغياب
نعود لنسامر ليالي الأنس برفقة الأصدقاء
نضيء المساء بضحكاتنا
أهازيجنا وأغانينا
ليمضي الوقت مسرعًا دون أن نشعر
فالأوقات الجميلة تمر بلمح البصر
نعود لنحكي قصصنا وتجاربنا
عن هذا البلد الجديد الذي عشنا فيه
نعود لنرى كم غيرتنا الغربة وجعلتنا نكبر سنوات قبل موعدنا
نفقد شغفنا بكثير من الأشياء التي كانت تسعدنا
ونعوضها بأشياء أخرى أكثر نضجًا وإدراكا
نعود لنقيس بمسطرة الأيام حجم المسافة بيننا وبين من كنّاه بالأمس
لنرى حجم التقدم الذي أحرزناه بحياتنا
ويبقى المهم..
أن نعود لنشعر بدفء الوطن
يأخذنا الشوق لنمر مسرعين على مدارسنا
نستعيد ذكرياتنا.. وصور أساتذتنا وسذاجة المراهقة
نشيد الصباح.. صوت المآذن.. زيارات الجيران
كل شيء يجعلنا نشعر بقيمتنا..
لهذا الوطن غالي
عذرًا صديقي «إياد»
ليس لدي شيء أقوله لك
سوى أننا نعيش الحياة بقسمةٍ وقضاء
لك شيء في هذه الدنيا سيعوضك عن كل ما فقدته
كن على يقين بذلك..
فدائمًا العوض خير
تلك إرادة الخالق..
وإني آسف على مصابك
ولكنها الحرب..
تبدأ بصرخة لتنتهي بويلات
ومنك تعلمت أن أستغل كل ثانية بقرب الأحباب
أعبر لهم بجنون عن مكانتهم بالقلب والروح
أخشع بالدعاء..
وأُقبل موضع السجود
شكرًا لله وامتنانًا على كل شيء
نحن نحزن على تفاهات كثيرة لا نملكها
سيارة فارهة..
وساعة مرصعة بأشياء برّاقة تغذي غرورنا الغبي
ولا أعلم كم صفعة نحتاج لنشعر بقيمة النعم التي لا تُقدر بثمن
وإنّا على حالنا لمحزونون
يارب..
أدم علينا نعمة الأمن والأمان
ووجود أحبابنا بصحة وعافية
واحفظ لنا هذا «الوطن»
إضاءة:
«الصمت لغة يتحدثها من بلغ أقصى درجات الخذلان»

آخر السطر:
ولا شفت الرجل ساكت يا فهيد.. لا تعيد السؤال وتنشب في حلقه.. كب منك اللقافة.

بقلم : دويع العجمي
copy short url   نسخ
21/11/2016
4875