+ A
A -
1
لم تمضِ ساعات قلائل على إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، إذ سرعان ما تسابق أطراف الصراع السوداني (حاكمة ومعارضة) لتهنئة دونالد ترامب، الفائز بمقعد الرئاسة الأميركية بالبيت الأبيض.

رسالة من الرئيس عمر البشير، جاءت على اقتضاب حذر، ورسالة من زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، السيد محمد عثمان الميرغني، لم تتجاوز القاموس التعبيري المعروف في مثل هذه المناسبات، ورسالة ثالثة من السيد مني أركو مناوي أحد القيادات الدارفورية المتمردة على سلطة الخرطوم، حملت الكثير من الأخطاء التعبيرية واللغوية.
السباق المحموم لكسب ود القادم الجديد للبيت الأبيض يوضح بجلاء عمق وقوة تأثير الإدارة الأميركية على توازنات القوة في المعادلات التي تحكم السياسية السودانية.
-2-
حكومة الرئيس البشير منذ قدومها إلى السلطة في عام 1989 إلى اليوم، ظلت تتجرع مرارة العداء الأميركي، عقوبات قاسية، وتصنيفات عدائية بالوضع في قائمة الدول الراعية للإرهاب، بل الأمر وصل في مرحلة من المراحل في عهد الرئيس بيل كلينتون إلى توجيه ضربة عسكرية في قلب الخرطوم، لأكبر مصانع الأدوية، كان موضع اشتباه من قبل السي آي إيه، باعتباره تابعاً لأسامة بن لادن، ويستخدم لصناعة الأسلحة غير التقليدية، مصدر الاشتباه عميل سوداني.
-3-
المعارضة السودانية منذ الحركة الشعبية بقيادة الدكتور جون قرن والتي قادت سيناريو انفصال جنوب السودان إلى حركات دارفور اليوم؛ جميعها ظلت تجد الدعم والإسناد من الحكومات المتعاقبة في الإدارة الأميركية، الدعم السياسي والمالي والدولي.
في فترة الرئيس بيل كلنتون، طالبت وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت، المعارضين السودانيين بالاستعداد لحكم الخرطوم، فانطلقت حملات عسكرية شرسة من أربع دولٍ مجاورة للسودان تحت عنوان (الأمطار الغزيرة)، بهدف إسقاط حكومة البشير.
واشنطن إلى وقت قريب كانت تعتبر حكومة الخرطوم تمثل أكبر مهدد للأمن القومي الأميركي في دول جنوب الصحراء!
ذكر الباحث في الكونغرس تيد داقني القريب من الدوائر المعادية للسودان: (إن الدوافع الحقيقية للنخبة الأميركية التي تجعل من السودان شغلها الشاغل هو سعيها لتفكيك الدولة التاريخية المركزية التي تتحكم فيها الأقلية العربية المسلمة التي أفرزت حكومة الإنقاذ برئاسة عمر البشير كأحد أبرز تمظهرات وتجليات المشروع العروبي الإسلامي في السودان).
-4-
صحيح شهدت العلاقة بين الخرطوم وواشنطن، في آخر عهد الرئيس بارك أوباما، تحسناً نسبياً، حيث تم الاتفاق على خريطة طريق لتطبيع متدرج، قائم على التعاطي الإيجابي، خطوة مقابل خطوة.
على الصعيد الآخر شهدت علاقة واشنطن مع أطراف المعارضة السودانية، بشقيها العسكري والمدني، تراجع ملحوظ، حيث مارست واشنطن ضغطاً متواصلاً على المعارضين إلى أن استجابوا للتوقيع على خريطة طريق بينهم وحكومة الخرطوم تمهد للوصول إلى سلام شامل.
-5-
لا يعرف أحد على وجه الدقة، الاتجاه الذي ستمضي إليه العلاقات (السودانية- الأميركية) في عهد غريب الأطوار الرئيس الجديد دونالد ترامب.
بالنسبة لي أتوقع أن يتحقق للخرطوم مع ترامب بعض ما لم يتحقق لها مع أوباما.
الديمقراطيون مترددون ومراوغون، يأخذون منك بالكيل الكبير، ويمنحونك بالملعقة الصغيرة!
الجمهوريون من بوش الابن، وربما إلى ترامب الثائر، واضحون في الموالاة والعداء.
وهم أقل تأثراً باللوبيات، خاصة الناشطة في مجال حقوق الإنسان، وهو اللوبي الذي يناصب الخرطوم أشد العداء، كما أنهم أميل للانغلاق وسحب الأصابع من الأماكن التي ليس لأميركا مصالح حيوية فيها، لذا من المتوقع ألا يكون لهم عزم وحماس تجاه التصعيد مع الخرطوم.
-أخيراً-
الأهم من كل ذلك أن تنجح الخرطوم في خلق مصالح حيوية في أراضيها لأميركا ترامب، فهذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الرجل.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
20/11/2016
3710