+ A
A -
شاهدتُ أخيراً استضافةً تليفزيونيةً لسيدةٍ من بلدي تشغل منصب المتحدثة الإعلامية في جمعيةٍ فلسطينيةٍ. السيدة من أسرةٍ كريمةٍ نبغ من أبنائها كثيرون،وهو من الأسباب التي أبقتني أمام الشاشة،فأنا أربط ما بين النبوغ،والإخلاص من جهةٍ،وما بين أصلهما ومصدرهما من جهةٍ أخرى..لذا،كنت أتعشم لو أسهبت في التحدث عن الثقافة بمفرداتها كافةً في بلدي غزة.فنحن-الغزّيين-نتمتّع بثقافةٍ متفرّدةٍ،داخل إطار بلدان الشام،فرضتها علينا طبيعة القطاع،وبخاصةٍ،بعد عزله عن بقية الأراضي الفلسطينية جراء حرب الثمانية والأربعين،وتنامي الحسّ الوطني بين ربوعه،بشتى ألوان الإنتماء:السياسي والفكري،كما أن قطاع غزة أقرب في بعض أنحائه إلى البداوة،لاتصاله بصحراء النقب،حيث القبائل العربية الأصيلة،لذا،فقد انطبعت هذه البداوة في بعض ثقافة القطاع،من حيث الملبس والمأكل..
ولأن غزة من البلدات العتيقة،ذات الحضارات القديمة،فقد تناسخت على أرضها معالم هذه الحضارات،من الكنعانية،والفينيقية،والرومانية،والإسلامية..ففيها الخانات (الفنادق) التي كان يحلّ فيها تجار شبه الجزيرة العربية في رحلتي الشتاء والصيف،وفيها الأسواق الرومانية،كسوق القيسارية،وفيها الحمامات التركية كحمام السمرة،وحمام الوزير،وفيها المباني التي شيدت أثناء غزو نابليون للمنطقة،كبناية «الدّبّوية «،التي أصبحت أشهر مدارس البنات الثانوية،والتي تخرّجت فيها بناتنا الرائدات في شتى العلوم والفنون والمعارف،وفيها الآثار التي عُني بها مؤرخون غزّيّون كالأستاذين سليم المبيّض،وإبراهيم سكيك،وفيها سلسلةٌ من العلماء في كل عصرٍ،ومخطوطاتهم العلمية والفقهية حاضرةٌ في مكتبة الجامع العمريّ الكبير،وعلى ثراها دفن السيد هاشم بن عبد مناف،وولد الإمام الشافعي..هذا من حيث التاريخ،أما من حيث الحاضر،فحدّث ولا حرج عن علمائها ونابغيها،وشعرائها،ومفكريها،وساستها،والحديث عن ذلك يحتاج فصولاً وفصولا..
كنت أتمنى لو ان السيدة الكريمة «بحبحتها شوية» وهي تتحدث عن أكلاتنا الشعبية،فلا تغفل أكلة السمّاقية،التي تعتبر من أهم أوراق اعتماد الغزاوي،وكذا الكنافة الغزاوية التي لا توجد إلا في بلدي غزة..
كان أمام بلدياتي الكريمة سجلٌّ حافلٌ بما يمكن أن تقوله،وهي تتحدث عن خصوصية غزة،التي من أهم ملامحها:شعبها الذي برهن طوال تاريخه بأنه شعبٌ أصيلٌ لا يعرف التعصّب،وله خصوصيّته..يكفيه أنه صامدٌ.

بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
18/11/2016
2318