+ A
A -
لفت انتباه النخبة السياسية في الولايات المتحدة في منتصف التسعينيات، اهتمام متزايد بأفكار أثارها صدور تقرير أحد المراكز السياسية المهمة وذات المصداقية، وهو على ما أذكر، مجلس العلاقات الخارجية، والذي نشره في كتيب، تضمن مناقشات شارك فيها عدد من الخبراء والمتخصصين، في قضايا الشرق الأوسط.
خلاصة هذه الأفكار أن القضية الفلسطينية هي القضية المحورية في الشرق الأوسط، وأن تركها دون حل يهيئ الظروف لظهور عناصر تمارس الإرهاب، نتيجة غضبها وإحباطها.
ولأن النشاط اليومي للقوى اليهودية في الولايات المتحدة، هو في حالة تأهب دائم، لمواجهة مثل هذه الأفكار، فقد لجأت إلى حشد خبراء وسياسيين وراء الترويج لنظرية مضادة، تحاول أن تقلل في عقل الرأي العام الأميركي، من النظر إلى القضية الفلسطينية، على أنها ذات خطورة، أو أهمية زائدة.
ولما كانت هذه القوى مسنودة بوسائل تأثير أميركية نشطة، لا تكتفي بطرح الفكرة لكنها تهيئ لها إمكانات التطبيق العملي، حين تتاح لها الفرصة، فإن جوهر الفكرة يقوم على إيجاد قضايا، وأزمات، وتحركات، واسعة النطاق، تبدو في إطارها القضية الفلسطينية، وقد تلاشت أو على الأقل تضاءلت أهميتها.
بعد ذلك برزت نظريتان: الأولى تحولت من فكرة إلى مشروع سياسي، وهو مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الذي تبنته رسميا إدارة الرئيس جورج بوش في 9 يونيو 2004، وتولى صياغته بكل بنوده، قيادات جماعة المحافظين الجدد، الذين تقلدوا المناصب الرئيسية في إدارة بوش، وكانت أفكارهم مصدر إلهام لاستراتيجية سياسته الخارجية، المعلنة عام 2002، وكلهم من المعروفين في المصطلحات السياسية في أميركا بأنهم ZIONISTS أي صهاينة في تفكيرهم، ولهم آراء ومواقف، ودراسات منشورة، منحازة تماما لإسرائيل وضد العرب.
حدد المشروع هدفه، بالعمل على توسيع نطاق مفهوم الشرق الأوسط، ليتجاوز المنطقة الجغرافية المعروفة، بحيث يمتد جغرافيا من أفغانستان إلى شمال إفريقيا غربا، وهي منطقة تحوي عشرات المشاكل والأزمات الملتهبة، وعندئذ يتراجع وضع القضية الفلسطينية في هذا المحيط الواسع، وتصبح مجرد مشكلة ثانوية ضمن مجموعات من المشاكل.
النظرية الثانية – هي تفتيت الدول العربية من داخلها، بحيث تتحول كل دولة، إلى عدد من الدويلات أو الكيانات، المتنافرة، والمتنازعة، بحكم إعادة رسم الحدود، بينها، وتلك نظرية موجودة أصلا في الفكر الاستراتيجي الأميركي، بصرف النظر عن كونها أصبحت بعد ذلك، تخدم الهدف الإسرائيلي بتقزيم القضية الفلسطينية.
وهذه النظرية – في حالة إلحاقها بخطوات عملية ستساعد على إيجاد التطاحن، والنزاعات الداخلية، التي تشد الانتباه العالمي، بعيدا عن قضية فلسطين، ليتراجع التعامل معها باعتبارها القضية المحورية في الشرق الأوسط.
ولما كانت كل هذه الأفكار والمخططات الملحقة بها، تتداخل في بعضها، لتكون كل منها داعمة للأخرى، فإنها جميعا تخدم هدفا متفق عليه مسبقا في الاستراتيجية الأميركية، والبريطانية، وهو هدم فكرة القومية العربية، التي تجمع شعوب المنطقة حول القضية الفلسطينية،
ويضاف إلى ذلك إشعال النزاعات الطائفية داخل هذه الدول، بشكل يؤدي – من وجهة نظر أصحاب هذه النظريات – إلى تقويض فكرة القومية العربية.
إن تأمل ما يجرى حاليا في عالمنا العربي، منذ لحظة الانقضاض على مفهوم الدولة ذات السيادة، والذي صارت المنضمين إليه منظمات الإرهاب المتنوعة، بدءا من القاعدة، ووصولا إلى داعش، والمجموعات النشطة حاليا في سيناء، والتي أعلنت صراحة أنها ضد وجود الدولة، كدولة، وهو ما مارسوه في العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، كل هذا سلوك يمثل التطور في أسلوب عمل أصحاب هذه النظريات، والتي تغذى نيرانها قوى أجنبية، تدعم ما يفعله وكلاؤها المحليون.
وإذا كان ذلك كله، يحقق أهداف قوى خارجية، لها طموحات واستراتيجيات إقليمية، فإنه لا ينفصل عن هدف استراتيجي إسرائيلي، ظهر بقوة في منتصف التسعينات، مقصده أن تتلاشى صورة القضية الفلسطينية، ويضعف انشغال العالم بها، كقضية محورية في الشرق الأوسط.
ورغم أن لكل من هؤلاء الفرقاء، مراميه وأهدافه، إلا أنهم جميعا بصورة أو أخرى، يخدمون هذه الأفكار الشريرة.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
18/11/2016
2667