+ A
A -
ما كاد المهاجرون يستيقظون من هول الصدمة التي احدثها فوز دونالد ترامب، حتى انتقل الرئيس الاميركي المنتخب من التهديد إلى الوعيد، فقبل ان يدخل البيت الابيض توعد بطرد 3 ملايين لاجئ غير شرعي «فورا» بعد توليه مهماته رسميا.
التطرف والشعبوية والنزعة القومانية التعصبية ورفض الآخر هي سمات تجد مساحة لا بأس بها ليس في أميركا فقط بل في العالم الغربي برمته. ولم يكن انتخاب الشعبوي ترامب رئيساً للولايات المتحدة سوى أحد تعبيراتها العارية. والارقام القياسية والمذهلة التي جناها في صناديق الاقتراع ليست سوى دلالة على رفض قطاع واسع من الشعب الاميركي للعولمة، وتعبيرا عن نزوعه إلى الانعزال داخل حدوده. ولم يكن خطاب ترامب إلا صدى لهذه التفاعلات داخل هذا المجتمع أحسن استغلالها للتفوق على منافسته التقليدية.
الولايات المتحدة ليست وحدها التي ظهرت فيها هذه الاعراض والامراض. فدول أوروبا الغربية تميل أيضاً إلى الانغلاق في مواجهة تحديات الهجرة غير الشرعية وفوبيا التطرف الإسلامي، معطوفة على أزمات اقتصادية متمادية منذ عام 2008 جذرت البطالة. وهذا ما قاد البريطانيين إلى الانفصال عن البر الاوروبي والانكفاء داخل حدود جزيرتهم. وهذا ما سيقود اسكتلندا لاحقاً إلى تأكيد وعيها القومي بالانفصال عن المملكة المتحدة. ولن تعدم ايرلندا الشمالية وسيلة للخروج من عباءة المملكة مستقبلاً وربما ويلز أيضا. وهذه كاتالونيا في اسبانيا تجهد من أجل الاستقلال عن مدريد باستفتاء تلو آخر. ولا تقل نزعة الاستقلال في اقليم الباسك الاسباني وجزيرة كورسيكا الفرنسية واقليم لومبارديا الايطالي عن تلك الموجودة في كاتالونيا. وربّما انتجت التظاهرات الرافضة، أميركياً، لنتائج الانتخابات ظواهر مماثلة. فالولايات في أميركا، يُمكن أن تناهض بقوّة ما يتمّ فرضه عليها على المستوى الفيدراليّ. وقد يحدث في كاليفورنيا غدا ما يحدث اليوم في كاتالونيا أو اسكتلندا.
والخروج المفاجئ لبريطانيا من الاتحاد الاوروبي أرسى سابقة لدى دول أخرى وعزز ميول هولندا والدانمارك وربما ايرلندا إلى خيار كهذا. وتلك مآلات كانت مستبعدة داخل التكتل الاوروبي الذي أنشئ لتعزيز السلام بين دول القارة التي دفعت ملايين القتلى في الحروب التي خاضتها. ولكن الظاهرة الجديدة في العالم هي التقوقع والميل إلى الانعزال والانغلاق والخوف من الغريب. هل هو رد فعل على العولمة التي لا تعرف حدوداً وخلفت اختلالات وفجوات وطنية؟ أم هو رد تلقائي على الضائقة الاقتصادية وموجات الهجرة التي
تزايدت في الاعوام الاخيرة بفعل ازمات الشرق الاوسط فضلاً عن حربي العراق وأفغانستان؟
هذا يعطي مؤشراً لكون بعض الأزمات التي يعانيها الغرب هي من صنعه أو انه ساهم في صنعها بطريقة أو بأخرى. فإذا بالأزمات تدق أبوابه، متسببة بتغذية اليمين المتطرف في فرنسا والمانيا وهولندا والنمسا. وكل الاحزاب المحسوبة على التيار القومي المتطرف أو الشعبوي تحرز تقدماً في صناديق الاقتراع، لتكشف عن اتساع في البيئة الحاضنة لهذا التيار. والمثال الابرز على ذلك الجبهة الوطنية في فرنسا بزعامة مارين لوبن المرشحة للفوز في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل.
والرعب الذي أصاب أوروبا بعد فوز ترامب يؤكد أنها تتحسّب للآتي الأعظم عندها. صارت الظاهرة تحمل «ماركة الترامبية» لكون السوق الأميركية تبقى الأشهر عالميا، لكنّ عند أوروبا نسخاً متقدمة ولا تقل تطرفاً أبدا. قادة اليمين المتطرف أقاموا احتفالات، بعدما تلقوا هديّة من السماء، فيما يتجهزون لمعارك انتخابية حاسمة العام المقبل، على امتداد القارة القديمة. انها عولمة من نوع آخر، عولمة رفض الآخر ورفض الاندماج.
أمين قمورية
copy short url   نسخ
16/11/2016
2771