+ A
A -
عميد كلية الإدارة العامة بمعهد الدوحة للدراسات العليا
سنقوم في هذه المقالة الأخيرة عن موضوع المنافسة القائمة الآن بين اليوان الصيني والدولار الأميركي بشرح توقعاتنا عن إمكانية أن تكون الغلبة بالفعل لليوان وأن يتنحى الدولار جانبا كالعملة الاحتياطية المرجعية الأولى في العالم، ومن ثم ينتزع اليوان اللقب في دوري العملات.
سنسرد أولا العوامل التي جعلت الكثير من المحللين الاقتصاديين يتوقعون هذه النهاية السعيدة لليوان وهي ما أسميه هنا عوامل قوة اليوان. ثم سنقوم بعرض عوامل استمرار الدولار في الاحتفاظ بمكانته كالعملة الأولى في العالم أو ما أسميه عوامل مقاومة الدولار ذلك حتى يتمكن القارئ من الاستدلال بنفسه على قوة الحجة لكلا الفريقين ويتمكن من الإجابة على السؤال عنوان هذه السلسلة.
من عوامل قوة اليوان الأساسية «أن العملة تعبر عن قوة اقتصاد الدولة» ولأن الاقتصاد الصيني أصبح (مقوما بالقوة الشرائية الثابتة) إما مساويا أو أكبر حجما من الاقتصاد الأميركي فمن الطبيعي أن يتفوق اليوان على الدولار.
كذلك فإن الصين قد نجحت في جعل جزء كبير من تجارتها العالمية يتم تداوله باليوان وليس الدولار عن طريق «اتفاقيات التبادل بالعملات المحلية» التي أسهبنا في شرحها الأسبوع الماضي.
أضف إلى ذلك، أن هناك تلاقيا بين أهداف دول منطقة «البريك» -روسيا والبرازيل والهند مع الصين -في التخلص من هيمنة الدولار عالميا. ومن ثم، تساعد هذه الدول بعضها البعض في موضوع التبادل بعملات غير دولارية. وعلى سبيل المثال روسيا، التي تقف مع بكين في معركتها ضد الدولار، كما ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز منذ فترة قريبة، ستستثمر بما قيمته مليار دولار سنويا في سندات سيادية مقومة باليوان. وهكذا تتحالف هذه الدول حتى تتم التجارة بينها (أي بين الصين وروسيا وكذلك البلدان النامية التي تدور في فلكهما) دون استخدام الدولار الأميركي. إذا أضفنا إلى ذلك أن السعودية في إطار ردها على القوانين الأميركية المعروفة بـ (جاستا)، والتي صدرت مؤخرا من الكونغرس وفيها روح المعاداة للمملكة، لا تهتم الآن ببيع النفط بالدولار الأميركي وقد قبلت من الصين إقامة سوق نفطية تقوم باليوان فهذا معناه انه يسحب البساط من تحت قدمي الدولار.
على الجانب الآخر، فإن عوامل مقاومة الدولار واستمراره في تأدية دوره كالعملة الأولى في العالم تتضمن التالي: أنه مع افتراض أن حجم الناتج القومي الصيني مساو لحجم الاقتصاد الأميركي الا أن الفرق الهائل في حجم السكان بين البلدين يعني أن الكفاءة الاقتصادية في أميركا أعلى بكثير من الصين لأن ما ينتجه 320 مليون أميركي يتساوى تقريبا مع ما ينتجه مليار وربع المليار صيني.
كما أن العالم كله (بما فيه الصين) يشعر بالأمان والاستقرار مع حيازة الدولار الذي مازال يمثل41.37 % من سلة العملات عند تكوين حقوق السحب الخاصة بينما اليوان يمثل 10.92% فقط من هذه السلة. ولذا تحتفظ الصين نفسها بحجم هائل من أصولها ممثلا في أذون خزانة أميركية مقومة بالدولار. هذا في حد ذاته يضع قيدا على منافسة اليوان للدولار لأنه لو وقع الدولار وانخفضت قيمته كثيرا فلابد وأن تنخفض قيمة الأصول الصينية الهائلة المقومة بالدولار ومن ثم تصبح الصين كمن يطلق الرصاص على ساقيه حسب التعبير الأميركي.
وحتى يلعب اليوان دور العملة الأساسية المرجعية في التعاملات الدولية، فلا بد أن تقبل الصين ان تكون عملتها تحت تأثير الطلب والعرض العالميين، ومن ثم تقبل خروج وولوج التدفقات النقدية من والى البلد بحرية وبدون تدخل حكومي. وفي الوقت الراهن، مازالت الصين تقع في تناقض الرغبة في تحرير الأسواق النقدية والمالية وواقع التدخل الحكومي وسيطرة الحزب الواحد. إذا اضفنا إلى ذك حجم الفساد الذي تقر به الصين وتتعامل معه والموجود عادة في المؤسسات العامة فأن فرص قبول اليوان عالميا ما زالت أقل من الدولار.
ومن ثم فإن توقعاتنا أن ينمو اليوان كعملة عالمية مرجعية ويتنافس مع الدولار ولكن لن يستطيع ازاحته من على عرش العملات على المدى القريب أو حتى المتوسط. وطالما أن هناك انفصال في شخصية الصين الاقتصادية (السوق الحرة والليبرالية) والسياسية (الاوتوقراطية والتي تعتمد على الحزب الواحد) سيظل اليوان غير قادر على الفوز بدوري العملات.
بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
09/11/2016
2805