+ A
A -
الكذبُ، ذو لونين، أعرفُ منهما الأبيض، ولا أدري، ماذا يُسِّمى الناس اللون التاني، هل هو الأسود، أم الأحمر، أم الأزرق، أم الأصفر، أم لون زينب!
والكذبُ درجات، غير أنه - في النهاية- يأخذ شكلاً واحداً: شكله هو!
أنت تكذب. هي تكذب، وهو يكذب، وهنَّ يكذبن، وهم يكذبون، ولا.. ولا أستثني نفسي- تلك الأمَّارة- ولا أستثني حتى الإمام والمأموم!
الحيوانات، هل تكذب؟
لا أعرف. ولا أعرفُ الطيور، ما إذا كانت تكذبُ، أم هي تتجَّمل أكثر، بالصدق، إذ هي تهبط، أو تقلع.. تصِّفق بأجنحتها في الهواء!
الجمادات؟
لا أعرف.. ولا أعرفُ حتى للجبل، كذبة بلقاء!
الكواكب؟
أيضا، لا أعرفُ، ما إذا كانت تكذب أحيانا، أم لا.. كل ما أعرفه عن البدر، إنه كان قمرا، وكان هلالا، كالعرجون القديم. وكل ما أعرفه، عن الشمس أنها تشرق، وتغربُ من المشرق والمغرب، وكل ما أعرفه عنها، أن خدها سيحُُّمر خجلاً، لو قلت لها (أنت كدابة)، إذ هي تقول لأحد الكواكب، إنني سأشرق غداً، من.. الغرب!
النباتات؟
أيضا، لا أعرف. ما أعرفه، أن الوردة تكذب، لو قالت أنها لن تنشر بعد اليوم العبير، ولن توزع الإنشراح!
الهواء؟
لا، لا يكذب. إنه صادق جداً، حين يكون نسمة، وصادق جداً، حين يصير اعصاراً.. صادق حين يكون ساخنا، وحين يكون باردا، وحين يكون بين بين.. ولو أنه قال لي، أنه لن يملاً فراغاً، في هذا الكون، ستجدني أسرعُ، أهمسُ في أذنه: (ح تاكل هوا)، وأنت تحاول أن تكذب.. تكذب حتى على نفسك!
- هذا عن الكذب، وماذا- إذن- عن الصدق؟
هكذا، سألني أحدهم. فتحت فمي، غير أنه أسرع يفتح فمه، يلقي عليَّ، بالسؤال:
- هل تعرف (كائناً) في هذا الكون، يتجَّملُ باستمرار، بفضيلة الصدق؟
لم أتردد، قلتُ له سريعاً جداً: طبعا أعرف!
اندهش صديقي، وجاءني صوته يلحّ بالسؤال:
- مَنْ... أو ما هو؟!
- إنها المرآة!
YES، المرآة.. والمرآة- بالمناسبة- (كائن) جميل جداً. وهي لو لم تكن كذلك، لما كان البشر- رجالاً ونساءً وأطفالاً وشبابا- يداومون على النظر إليها، في اليوم الواحد، مرات ومرات!
المرآة، أصدق الكائنات، على الإطلاق. إنها، لا تُجامل، ولا تلتفّ على الحقيقة، ولا تكذب.
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
06/11/2016
1233