+ A
A -
في عام 1971 أقيم في السويد مؤتمر صغير لأطباء العظام والمفاصل.. كان مؤتمرا محليا الهدف منه تبادل الخبرات والاتفاق على بروتوكول وطني لإجراء عمليات الورك والمفاصل.. تحدث كل جراح عن أسلوبه المفضل ورؤيته الخاصة لأسباب فشل هذه العمليات (الكبيرة في ذلك الوقت)..
تناقشوا كثيرا واختلفوا كثيرا ولم يصلوا لاتفاق نهائي.. وفي النهاية تقدم رئيس المؤتمر باقتراح جميل؛ لماذا لا يتجاهل كل طبيب أسلوبه الخاص في إجراء العملية ويهتم -بدلا من ذلك- بتقييم أساليب الأطباء الآخرين!
.. طلب من كل طبيب وضع ترتيب لأفضل ثلاثة أساليب لإجراء العملية (لا يكون بينها أسلوبه الخاص). وبعـد فرز النتائج تم اختيار الطريقة التي نالت أكبر قدر من رضا الأطباء، وتم اعتمادها بروتوكولا رسميا لإجراء عمليات الورك والمفاصل!!
هـذا الأسلوب (في الترشيح، ثم الاختيار، ثم التوافق عليه) تم تكراره في المؤتمرات التالية حتى أصبحت السويد اليوم أفضل دولة في جراحات العظام والمفاصل - وتبلغ فيها نسبة نجاح عمليات الورك 76% مقارنة بألمانيا مثلا 62%..
والأجمل من ذلك أن الطريقة السويدية (في اعتماد النموذج الأفضل) أصبح إجراء معتمدا في معظم المؤتمرات الطبية - حيث يصوت الأطباء في نهاية المؤتمر على اختيار أفضل طريقة للعلاج قبل أن يتم اعتمادها رسميا والتوصية بنشرها عالميا..
وأنا شخصيا أرى أن هذا الأسلوب يمكن أن يكون ناجحا في أي مجال آخر - خارج المجال الطبي.. إذ يمكن اعتماده مثلا لاكتشاف (ثم اعتماد) أفضل إنجاز في مجال التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.. يمكن لوزاراتنا الموقرة عقد مؤتمرات سنوية لاختيار أفضل نموذج (تعليمي أو صحي أو اجتماعي) تمت تجربته في أي منطقة، ثم تعميمه كأنموذج رسمي على جميع مناطق المملكة..
يمكن مثلا لوزراء التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية الاجتماع بمديري الفروع (من مناطق البلاد المختلفة) لتبادل الخبرات وترشيح أفضل الخيارات - قبل تعميمها كإجراء قياسي يحتذي به الجميع..
هذا الأسلوب أراه شخصيا أفضل وأرخص وأسرع من استشارة الخبرات الأجنبية أو إجراء دراسات جديدة مكلفة - ثم العودة للمربع الأول حين يفشل كل ذلك..
أراه حلا أفضل؛ لأنه ينبع من بيئتنا المحلية..
وأرخص؛ لأنه لا يتطلب دراسات مكلفة..
وأسرع؛ لأنه جاهز وموجود (ومنتهٍ) لا نحتاج لانتظار نتائجه..
المهم فعلا أن نخفف من قبضة الإدارة المركزية التي تعتمدها وزاراتنا مع فروعها المختلفة.. يجب أن تمنحهم حرية العمل والابتكار وأقلمة الحلول بما يناسب ظروفهم المناطقية..
نحتاج فقط لأن نثق بأنفسنا.. ونفتح أعيننا جيدا.

بقلم : فهد عامر الأحمدي
copy short url   نسخ
05/11/2016
4463