+ A
A -
لا حديث يعلو في المغرب، على قضية «محسن فكري» سماك الحسيمة (شمال المملكة)، الذي حاول الاحتجاج على أمر السلطات بمصادرة أسماكه، صاعدا فوق شاحنة القمامة، لكن ماكينة الفرم تشتغل، ليذهب الشاب ضحيتها في موت «مشهدي» مفجع.
كاميرا الهاتف الذكي التي كانت هناك كالعادة، خلدت الحدث المأساوي في صورة صادمة.
وما تبقى تكفلت به وسائط التواصل الاجتماعي، التي أسهمت بسرعة قياسية في بناء قضية رأي عام غاضب، انطلاقا من استثمار الصورة الحية للفاجعة، فضلا عن الأثر الحاسم للهاشتاغ القوي الذي رافق الحدث والذي تم تشغيله كعنوان معبر عن الحالة الاحتجاجية ومكثف للواقع، فتحول إلى مصدر لكل البلاغة المنتجة حول القضية، وهو ما شكل حالة عاطفية عامة من السخط والغضب، تجاه إحساس عارم باللاعدالة.يتعلق الأمر بجملة «طحن مو»، ( تعني أمرا صارما بالفرم)، والتي انتقلت من سياق محادثة سابقة عن وفاة الشاب محسن فكري، كما تناقلتها الرواية المهيمنة حول الحدث بعد ساعاته الأولى، لتتحول إلى مجاز يلخص شطط السلطة، وتغول الدولة في مواجهة البسطاء، ويضمن تعاطفا تلقائيا من طرف المتلقي.
بناؤها ذو الدلالة حولها إلى عنوان للاحتجاج، وهي التي تحيل إلى فعل الفرم، بكل القسوة التي يحملها في اللغة المغربية الدارجة، (الطحين)، ومن جهة إلى الأم بكل إيحاءاتها العاطفية لدى الجمهور.
هكذا تولدت داخل المدينة المعنية، وفي غيرها من المدن الكبرى حالة احتجاجية واسعة، تميزت بتزامن العديد من المسيرات يوم 30 أكتوبر. حالة تمخضت من كل هذا السياق الخاص، والذي ليس سوى تركيب معقد لعدد من الرموز والرسائل والصور والخطابات والروايات، داخل مجال جغرافي بخلفيات سياسية وتاريخية ذات خصوصية بالغة، حيث تطغى على الساكنة تمثلات جماعية تستبطن فكرة التهميش، وتحيل في المخيال الشعبي إلى تواريخ أليمة من التصادم مع السلطة 1957 و1984 ، بالرغم من محاولات كبيرة للمصالحة الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والسياسية والرمزية، التي قادها ملك البلاد، تجاه هذه المنطقة.
أما في السياق العام للحدث، فتبدو الظاهرة الاحتجاجية اليوم جزءا من المشهد العام، وهي تعبير عن التقاء ثابتين: الأول هو الطلب الاجتماعي المتزايد خاصة في مناخ الحرية، والثاني هو محدودية الموارد وحدود السياسات الاجتماعية.
إننا نبتعد اليوم عن حالة الانفجارات الاجتماعية الدورية التي عاشها المغرب، قبل التسعينات (65-81-90)، فالاحتجاج أصبح أكثر سلمية، واستثمار المجال العام أصبح جزءا من استراتيجية فاعلي الحراك الاجتماعي والحقوقي، وهو غالبا بدون عنوان مركزي (نقابة عمالية- حزب سياسي..)، كما ان وسائط التواصل أصبحت حاسمة في بناء موضوعاته وقضاياه.في الخلاصة يمكن القول إن مسيرات 30 أكتوبر، ليست بالضرورة مسيرات للاحتجاج الاجتماعي، وهي بالتأكيد ليست فقط دعوات شعبية لتحقيق عدالة اجتماعية، وطلب مكثف على الدولة الاجتماعية. إنها في المقابل دعوة قوية لدولة المواطنة، وهي طلب على الكرامة، أكثر ما هي طلب على الخبز.
إنها بذلك تحتاج إلى جواب عميق، جواب يرتبط باستيعاب النسق السياسي، لهذا الطلب، وهو ما يحتاج من جهة إلى إصلاح سياسي واسع للدولة وامتداداتها الإدارية والأمنية والمؤسساتية، ومن جهة أخرى إلى إصلاح بنيات الوساطة الحزبية والمدنية والاجتماعية.
دون هذا الإصلاح، فإن الشارع سيضل أكثر إغراء، من الانتظارات المعلقة على مسلسل تدبير المؤسسات لمطالب المجتمع، وهو ما يجعل من معادلة التوازن بين الشارع والمؤسسات، تحمل الكثير من المخاطر في مرحلة معقدة من مراحل التحول الديمقراطي.
بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
04/11/2016
2686