+ A
A -
أنت محظوظٌ إن كان لك صديقٌ يحبك..وفي الغربة التي يعيشها المرءُ، ليس من دفءٍ سوى المودّة الخالصة.
ومن الدعاء العذب الذي كان يسعدني كثيراً،دعاءُ جدتي لي صباح مساء،وكلما اقتربتُ منها: «روح ألله يحبّب فيك خلْقه»، ولأن جدتي من بنات حلب الشهباء، فقد كانت تقلقل حرف القاف، وكانت تخصّني بحبٍّ تميّز عن بقية أحفادها، ربما لأنها كانت تجد فيّ شبهاً كبيراً بالمرحوم جدّي، الذي قضى في شرخ الشباب، وورثت عنه -كذلك- اسمه، ولكنني لم أرثْ مهنته كرجل قانون..
مالي وتيّار الوعي؟ ربما لأنني أعيش الغربة في حدّيها: المكاني والزماني، وهي شجنٌ يُبتلى به بعضُ خلق الله، الذين أنا منهم..
في غربتي المكانية، أسعدتني الأقدار بشلَّةٍ من الأصدقاء، أقربهم إلى قلبي وعقلي، واحد بلدياتي، ارتوى من ماء غزة قبل أن يتلوّث، وقطف من بساتينها رماناً، وتفاحاً، وبرتقالاً، وعنباً وتيناً، وحصد من حقولها قمحاً، وسمر في مقاهيها وارتاد منتدياتها، وسبح في بحرها الهائج وطعم من أسماكه..
اليوم افتقدته:- أين أنت يا رجل؟
-أنا مع بيتر وشلة من أصحابه هواة الصيد، في بلدةٍ تقع في قلب الوادي (ريف مقاطعة نوفاسكوشيا الكندية) حيث تلتقي مياه النهر العذبة بمياه المحيط الجاذبة أسماك السلمون، وعدد سكانها لا يتجاوز ستمائة شخص..
-خيراً؟
-نصطاد غزلاناً، واليوم صدنا غزالاً نافراً..
-عالبركة.
سرحت مع صعاليك العرب، وفُتّاكهم، وشعرائهم، ورحت أستعرض وصفهم مواسم الصيد، وأحاديثهم عن الغزال والمهاة، والجآذر، وبقر الوحش، وكيف كانوا يرمون طرائدهم فيوقعونها بسهامهم، ثم كيف ينتقلون بعد ذلك لوصف المحبوبة، وعينيها ورشاقتها..
وفي المساء، وأنا أتهيأ للعشاء:
- إيش بتحب في لحم الغزال؟ - الكتف..
وبعد اقل من نصف ساعةٍ، وصل بلدياتي، ومعه كتف غزالٍ، وكامل يده.. لم أجد من عبارات الشكر ما أقولها لرفيق الغربة، سوى التوكيد على حلاوة الصحبة، وكلمات جدتي-يرحمها الله-: «الله يحبب فيك خلقه»
وربنا يحبب فيكم جميعكم خلقه... بقلقلة القاف الحلبية.
بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
04/11/2016
2338