+ A
A -
قريبا تسدل الستارة على الانتخابات الأميركية، ويدخل الفائز إلى البيت الأبيض كرئيس لأقوى دولة في العالم.. ليس مهما من سيكون الرابح في هذا السباق: المرأة التي تريد عبثا أن توحي أنها غير عادية، هيلاري كلينتون المتقدمة الآن في استطلاعات الرأي، أو خصمها الجمهوري الذي أقام أميركا ولم يقعدها، بعد دونالد ترامب. ذلك أن أيا منهما لن يظهر ما من شأنه أن يحدث فرقا نوعيا في السياسة الأميركية المحلية والخارجية. فالحملة الانتخابية لكلا المرشحين في مراحلها البهلوانية تميزت بالسطحية والضحالة والتهريج وكلام المخادع وضجت باللغة الفضائحية وقصص نساء الفرن. وصارت اللغة الرديئة انعكاساً لسياسة رديئة، وهناك خشية حقيقية في استمرارهما بعد الانتخابات.
وعلى عكس الحملات الانتخابية السابقة التي أظهرت رجالا تليق بهم القضايا والرؤى والأفكار، صدر عن المرشحين كل ما يخالف القيم التي تتغنى بها أميركا والأميركيون وكشف عمق المأزق في المجتمع الأميركي، فالقضية النسوية وتحقير النساء عادت تتصدر الواجهة، والفجوة بين البيض والسود لم يردمها وجود رئيس أسود في البيت الأبيض، وقضية المهاجرين وعدم الاندماج لاتزال عبئا على صدور الكثير من الاميركيين، وظاهرة الفساد المالي والأخلاقي بين أفراد النخبة السياسية متجذرة وتتفاقم. بعض هذه المشكلات مرشح للانفجار في أي وقت أو تحت ضغوط أزمة أو أخرى. وبالمعايير كافة لم تكن هيلاري الاختيار الذي تفضله نساء أميركا ولا حتى رجالها. ولم يصدر عنها أي لمحات من ذكاء روزفلت أو شجاعة لينكولن أو أخلاقيات كارتر أو حتى طرافة رونالد ريغان، كان لديها أخطاء كثيرة بل وشبهات على رغم أنها مجرّبة وخبيرة وكان في إمكان مرشح مثل بيرني ساندرز أن يملك صدقية مواجهتها. أما ترامب الاخصائي في فن صدم الجمهور وإثارة الفضائح الرخيصة، فصار مادة للتدريس في عدد من الجامعات الأميركية كظاهرة اجتماعية وسياسية. والمقلق أن ما يصرح به يجد قبولا في أوساط الشباب، وقد تجد أفكاره لاحقا تربة خصبة لإثارة نعرات وغرائز وتفجير قضايا تأجل الحسم فيها أو تعذر. وعلى هذا الأساس لن يكون دونالد ترامب ظاهرة عابرة بل تطور حقيقي وجوهري في تركيبة النظام الأميركي.
ثمة إجماع اميركي على أن الحملة الأخيرة هي أكثرها قبحا وهبوطا. والأنكى ان هذا الانحدار الأميركي يأتي في وقت يعم الخوف العالم، فالأزمات الشرق أوسطية في سوريا والعراق وليبيا تسير من سيئ إلى أسوأ، والانقياد إلى حرب باردة جديدة بين روسيا وأميركا يحتدم، والتصعيد يبلغ مداه الأقصى في الشرق الآسيوي والباسفيك، والسباق إلى التسلح في أوجه، والعسكرة تطغى على الدبلوماسية في الدول الكبرى شرقا وغربا كرد فعل للشعبوية التي عادت تكتسح العديد من بلدان العالم. وفي حين ينتظر المنكوبون والمهددون بصيص أمل من واشنطن، بات من الصعب ان تجد أميركيا متزنا يعبر عن تفاؤله بحال اميركا مستقبلا أو حال العالم في ظل هكذا قيادة في البيت الأبيض. وتاليا فإن الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات لن يكون أحد المرشحين، بل اميركا التي ادعت انها تمثل قيما ومبادئ حقوقية وأخلاقية، وأنها حامية الديمقراطية، وسوقت نفسها على انها حاملة رسالة للمجتمعات الأخرى. وهكذا، وبعد هذا التهريج الاميركي باسم الديمقراطية وما حمله من تلوث فاق الحدود، فإن الانحدار ليس حكرا على شعوب دون أخرى، فهو أيضا معولم.
بقلم أمين قمورية
copy short url   نسخ
02/11/2016
2620