+ A
A -
لو لم يكن المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب مليارديرا يحوز المليارات وتبلغ ثروته أكثر من عشرة مليارات دولار بحسب اعترافه بذلك علنا، وله املاك في كثير من بقاع العالم، لالتمسنا له عذرا في تطلعه لسكنى البيت الابيض، طمعا في مرتب الرئيس الأميركي والذي يقدر بـ 33 ألف دولار شهريا، ولكن دخل ترامب الشهري من عوائد استثماراته يفوق مرتب الرئيس بكثير، اذ يبدو ان الرجل غاوي «وجع راس» وشهرة وسلطة، وراغب في دخول التاريخ الأميركي من بوابة البيت الابيض، في زمن لم يعد منصب رئاسة الجمهورية في كثير من دول العالم مغريا، ومع ذلك يتنافس المتنافسون بشراسة انتخابية لأجله، بينما في زمن كزمننا الراهن لم تعد إدارة شؤون المجتمعات شيئا سهلا، فالمسؤولية عن أي شعب في العالم، من افدح المسؤوليات ثقلا وأكثرها جسامة، ومن المفترض الا يغري الراتب، ولا الوضع الاجتماعي أحدا للفوز به.
وينطبق الحال ايضا على الوزراء، فكثير من المرشحين لتسلم الحقائب الوزارية في دول مختلفة صاروا يرفضون المنصب الوزاري هروبا من التبعات والمسؤوليات وتوخيا لسلامة المصير، ولأن بوسعهم تحقيق دخل شهري يفوق دخل الوزير، فضلا عن أنهم سيشترون أدمغتهم من صداع المسؤولية.
ولكننا سنجد في اميركا اللاتينية حالتين رئاسيتين على طرفي نقيض، أولهما: رئيس بيرو بيدرو بابلو كوشينسكي، الذي واجه موجة من الانتقادات لتذمره من راتبه كمسؤول عام، اذ وراء هذا التذمر سببان، أولهما انه تبين ان دخله من الرئاسة يقل بكثير عن دخله قبل الرئاسة كمصرفي استثماري سابق، حيث كان هذا الدخل يبلغ 700 ألف دولار قبل توليه السلطة، اما دخله كرئيس فيقل عن ذلك بكثير، وثانيهما: تبينه أن رواتب وزراء الحكومة أعلى من دخل الرئيس، ولدرجة ان الرجل زأر علنا بما يشعر به من قهر حينما خاطب مجموعة تمثل المجالس المحلية قال أمامهم بحزن: إن «دخل رئيس الجمهورية يمثل نصف دخل وزير. يوجد وزيران هنا. إنهما يحققان أربع مرات ما أحققه من دخل. هل هذا يبدو منصفا بالنسبة لكم؟».
ومن ثم فالسببان معا دفعاه إلى تذمر، مطالبا بإعادة النظر في راتب الرئيس برفعه على نحو لائق.
والحالة الرئاسية الثانية في اميركا اللاتينية هي رئيس الأوروغواي خوسي موخيكا، الذي لا يشبه غيره من الرؤساء في العالم، وكان يفتخر بأنه «أفقر رئيس في العالم».
فقد كان الرجل يتلقى راتباً شهرياً قدره 12 ألفاً و500 دولار، ولكنه يحتفظ لنفسه بنسبة 10% فقط من راتبه، ويتبرع بالباقي للجمعيات الخيرية في بلاده، وكان يعيش في بيت ريفي بمزرعته، ويرفض العيش في القصر الرئاسي، كما أنه لا ينتفع بالحراسة المشددة كبقية رؤساء العالم، ولا يحيط نفسه بأي مظاهر أبهة، ويمتلك سيارة متهالكة، هي التي يستخدمها في تنقلاته.
فشتان بين هذه الدرجة من التواضع التي كان عليها رئيس الأوروغواي خوسي موخيكا، والتذمر الذي يعلنه رئيس البيرو بيدرو بابلو كوشينسكي.
ولهذا فإن الرئيس كوشينسكي بين نارين: أولاهما: السلطة والجاه، وثانيتهما: الثروة والمال، وأظن انه في كل الاحوال سيكون الانتصار لبريق السلطة التي تخطف الابصار، رغم ما عليها من أوجاع وعذابات ومسؤوليات.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
01/11/2016
899