+ A
A -
(1)
حسم الجدل داخل أروقة مؤتمري الحوار الوطني في السودان لمصلحة استحداث منصب رئيس وزراء في الحكومة القادمة. هي المرة الأولى في تاريخ حكومة الرئيس عمر البشير التي امتدت لأكثر من 27 عاماً يصبح فيها منصب رئيس الوزراء ضمن كابينة القيادة الدستورية.
استحداث منصب رئيس الوزراء الغرض منه وجود مسؤول تنفيذي رفيع يرأس الحكومة ويحاسب من قبل البرلمان.. لأن رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي غير مسؤول أمام البرلمان.
تُعدُّ فرنسا من النماذج التاريخية لهذا النظام المختلط، منذ أن قام الرئيس الفرنسي شارل ديجول، بتأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958، حيث وضع دستوراً جديداً جمع بين مميزات النظامين الرئاسي والبرلماني. يُعتبر الرئيس هو قائد الجيوش، ويرأس المجالس واللجان العليا للدفاع الوطني، ويقوم بتعيين بعض الموظفين الكبار المدنيين والعسكريين، وله الحق في تفويض هذا الاختصاص. ويلعب الرئيس الدور الأهم في صنع السياسة الخارجية.
وحتى ينتفي احتمال التنازع، رئيس الجمهورية هو الذي يتولى تعيين رئيس الوزراء، ويملك قرار عزله، ويملك حق تعيين الوزراء، باقتراح من رئيس الوزراء.
بكل تأكيد الخطوة مهمة في هذا التوقيت لأسباب عديدة من أهمها رفع كفاءة الجهاز التنفيذي في الدولة السودانية، فهو يعاني كثيراً من التصدعات والثغرات المفضية لارتخاء الهمة واختلال الأداء.
(2)
قبل أشهر سألت الباشمهندس إبراهيم محمود نائب رئيس المؤتمر الوطني ومساعد رئيس الجمهورية، عن موقف الحزب من مقترح إضافة منصب رئيس وزراء، كانت إجابته أنهم من حيث المبدأ لا يمانعون في ذلك، بشرط عدم الإخلال أو المساس بطبيعة النظام الرئاسي القائم عليه الدستور.
أتفهَّم طبيعة ومنطلقات هذا الشرط، فكثيرون يتخوفون من مخاطر الازدواجية، لا سيما مع طبيعة أوضاع البلاد والتي لا تحتمل تنازعاً بين السلطات في كابينة القيادة.
في المقابل، من المُهمِّ التَّعامل مع هذه المرحلة من الحكم بطريقة مختلفة عن ما سبق، وعبر تغييرات أساسية وشكلية، تُعطي لمشروع الحوار الوطني قيمةً أكبر مما هو متاح الآن ومتحقق للعيان.
(3)
استحداث منصب رئيس الوزراء، فرضته الحاجة المُلحَّة لوجود مُتغيِّرٍ في شكل الحُكم يدعم مشروع إصلاح الدولة السودانية.
من خلال هذا الإصلاح قد تنعدم أو تضيق فرص التسويات السياسية القائمة على معادلة وضع السلاح في مقابل نيل المناصب.
الرئيس عمر البشير عليه أعباء ومهام أكبر من المتابعة التنفيذية لشؤون الحكومة اليومية، ثمة واجب أكبر ينتظره في الفترة القادمة، هو ترتيب الأوضاع بصورة تُحقِّق الاستقرار، وتُنهي الحروبات، وتُؤسِّس لتبادل سلس للسلطة في مناخ التراضي الوطني.
من الضرورة إتاحة الفرصة للرئيس البشير، للتركيز في قضايا ومشاريع استراتيجية، مُتجاوزة للمشاغل اليومية داخل دائرة شؤون الحكم.
اختيار رئيس وزراء جديد من غير الوجوه المعروفة والمألوفة، قائم على مهمة متابعة الشؤون التنفيذية، سيرفع كثيراً من الأعباء عن كاهل رئيس الجمهورية، وسيضخّ دماءً جديدةً في شرايين الحكومة، وسيفي بجزء مقدر من مطالب التغيير والتجديد.
وللوضع الذي يحظى به الرئيس البشير داخل حزبه وفي الشارع العام عليه في فترة حكمه الجديدة أن يشرف على عملية الانتقال وبأن يكون قائداً لعملية التغيير بدلاً من أن يصبح هدفاً لها عبر الانقلابات أو الثورات المضادة.
-أخيراً-
من مصلحة الحزب الحاكم في السودان، أن يُحدث تغييرات على مستوى الجهاز التنفيذي ونظام الحكم وطريقته، حتى يعطي أملاً لتجاوز كثير من الأزمات القائمة، ويفتح الباب أمام كثير من الفرص القادمة، ولا يهزم مصداقية مشروع الإصلاح والتجديد بإعادة القديم في ثياب جديدة.
بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
30/10/2016
2990