+ A
A -
لا أستطيع القول بأن الهواتف الذكية شر لابد منه، وأفضِّل أن أطلق عليها خيارا حتميا، أما المستخدم فهو من يجعلها شرا أو خيرا، الأمر راجع له في كيفية الاستخدام، لكن علينا أن نعترف أن هذه الهواتف وبمساعدتنا نحن أحدثت تفككا أسريا وصل إلى حد الشقاق، لقد أخذت الزوج من الزوجة، وأخذت الزوجة من الزوج، وأخذت أولياء الأمور من الأولاد كما أخذت الأولاد من أولياء الأمور، فلم ُتبقِ على أحد في الأسرة إلا وقد أخذته.
هذ الأجهزة غزت حياتنا اليومية وجعلت العالم قرية صغيرة يعيش من خلالها الأفراد كباراً وصغاراً بعقولهم وأذهانهم في عالم مغاير للعالم الذي تتواجد فيه أجسامهم، ومن سخريات هذه الأجهزة أن جعلت الفرد داخل الأسرة يتواصل مع أشخاص في أدنى الأرض أو أقصاها، ويتبادل معهم الحديث حول هموم الحياة وشجونها، دون أن يعرفهم أو يراهم، وفي نفس الوقت قطعت صلته عمن هم بجواره ويعيشون معه تحت سقف واحد!.
إذن ما الحل والحال هكذا؟ ما الحل والفرد لم يعد قادرا على الاستغناء عن هذه الأجهزة في كل الأماكن التي يرتادها سواء في المنزل أو في السيارة أو في العمل أو في التجمعات العامة،؟
لقد قصت إحدى الزوجات حكاية لها مع زوجها، فبينما كان مستغرقا في استخدام المحمول طلبت منه أن يذهب لإحضار ابنتهما الوحيدة من المدرسة الآن، لأنها مضطرة للذهاب إلى عيادة الأسنان حيث تعاني من آلام مبرحة، وبينما كانت تطلب منه هذا كان ينظر إليها ويجيب بكلمة حاضر وخرجت هي إلى العيادة ومكثت بها ساعتين ثم عادت لتجد الزوج على ما كان عليه قبل خروجها منهمكا مع جهاز الهاتف، فارتابت في أمره وسألته عن البنت أين هي، فما كان منه إلا رد عليها:
- ألم تذهبي لإحضارها؟!
حاولت أن تذكره بما طلبت منه ولكن عبثا، فالزوج كان معها بجسده فقط، بينما كان بعقله وفكره واهتمامه في عالم آخر، مشغولا بالحديث مع شخص ما في مكان ما على هذا الكوكب.
وفي حالات كثيرة يكون شاب ما أو شابة ما في الأسانسير، ويصل الأسانسير به إلى الطابق المراد، ولكن لا يشعر أحدهما إلا بعد أن يغادر الأسانسير إلى طابق آخر لأن كلا منهما كان مستغرقا بحديث مع شخص ما عبر الهاتف!، وليس هذا فحسب بل يقول أحدهم: في المجالس تجد نصف الحاضرين على الأقل أعينهم في هواتفهم، ويبدو ذلك ظاهرة طبيعية جداً هذه الأيام، بعكس ما تعودنا عليه في السابق حين كانت تتجه أنظار الجميع للشخص المتحدث الذي لا يجد الآن أي أذن صاغية.
ليس أمامنا إلا المزيد من التوعية بإيجابيات وسلبيات هذه الأجهزة الحديثة ولهذا حديث آخر لنا في المستقبل إن شاء الله.
بقلم : آمنة العبيدلي
copy short url   نسخ
30/10/2016
1539