+ A
A -
أتدري ما الشيء المُثير للاستغراب والشفقة والأسف في آن واحد، أن نظن أو نعتقد - في لحظة ما- أن الحياة ستتوقف بمجرد موتنا، فراقنا من نحب، حزننا، خيبتنا!
إن المشاعر التي تدور في خَلَدِنا، تَعْصر جوفنا، تنْفَطر لها قلوبنا، لن تُؤثر على سير الحياة، ولن تسبب لها الإعاقة، النهر سيستمر في الجريان، الرياح سَتمضي في طريقها، الأشجار ستُثمر، السماء ستُمطرِ، والأرض ستكتسي بالخَضَار، الحامل ستضع مولودها، والمرضعة ستفطم ابنها.
كلنا يُدرك أن الفراق بأشكاله المتعددة من زعل، وخصومة، وطلاق، وموت، من أقسى المواقف تأثيرًا على الحالة الشعورية والمزاجية، وبالطبع فإن الموت أشدها إيلامًا، ولربما أعظم أثرًا في النفس، خاصة لو كان المفقود يعني لنا الكثير بغض النظر عن صلتنا به. والواقع يؤكد، أنه عند وفاة جدنا السادس عشر – جعله الله من المرحومين-، حزن أقرباؤه، ولولوا ونُكبوا، الزمن توقف عنده فقط، لكن الكون واصل مهمته، والدليل أن أجيالًا طويلة جاءت بعده، تجاوزته ولم يبقَ من ذكراه سوى اسمه، نسيه أحفاده، الذين هم بالنسبة لنا مجهولون، حتى أن المشاعر الإنسانية تجاههم تعيش مرحلة الغربة.
تسير الحياة بهذا الشكل، سيُشلّ تفكير أهل الفقيد بشكل مؤقت ثم ماذا؟ ثم يصبح ذكرى، إن كان يستحق الذكرى، لا يهمّ ما فعل في كثير من الأحيان، الأهم أنه سيصبح ذكرى، فلنتخيّل وقع الأمر علينا ونحن في عداد المفقودين، أقصد المنسيين، سوى من صورة مغبرة معلقة على الجدار.
ولنتأكد من ذلك الشيء الذي لا يتوقف من أجل أحد، ولا مراعاة لمشاعر أحد، لنتخيّل أننا افتقدنا زميل عملٍ بعد أن وافته المنية، أو في أحسن الأحوال انتقل للعمل في وظيفة أخرى ومكان آخر، ورغم الصدمة من موته أو الفراغ الذي خلفه وراءه نتيجة انتقاله، لم يتوقف العمل في تلك المؤسسة أو الشركة، حتى لو كان الفقيد، رب العمل نفسه، حتى وإن كان ملكًا أو وزيرًا، بل ببساطة جيء ببديل، يخلفه ويقوم بدوره، والحياة تمشي كما كتب الله لها، يباشر جميع الموظفين واجباتهم، وسيجلس أحدهم مكانه، بل على كرسيه وطاولته التي زينها ورتبها يومًا.
بالنسبة لنا كبشر يُعد النسيان أعظم هبة تَنزع مسامير الألم من قلوبنا، بعد معاناتنا من وجع الفقد، ولوعة الفراق، أو خيبة الأمل، لكن بالنسبة للزمن وباقي أركان الحياة، فإن دموعنا لا تعني شيئًا، ولن يقف الزمن ليربت على أكتافنا حتى نفيق ونستطيع المواصلة. بل حين يعود إلينا وَعْيَنا نكتشف، أن الزمن تقدم عنا أشواطًا بعيدة، ولن يلتفت إلينا كنا من كنا.
فلنأخذ مشاعرنا على محمل الجدّ، ولا يجب أن نتيح لها المجال للسيطرة علينا، ولنعتبرها وسيلة أو حاسة من الحواس التي تعيننا على تجنب أو تجاوز مشاق الحياة وصعوباتها، ولنعلم أن التعثر في الحياة بسبب فقدٍ أو حزن أو زعل أو خصام، لن يطيل في أعمارنا بل سيقصر المسافات الجميلة التي كان من المكن أن نقضيها بشكل أفضل، مع أنفسنا أو آخرين كانوا بانتظارنا دون أن نشعر بهم، لكنهم في مسافة السكة، ينتظرون منا الفرصة لمشاركتنا تغيير مشاعرنا السلبية إلى طاقة إيجابية مذهلة.
وكما قال كارل ساندبيرغ: «الوقت هو عملة حياتك. هو العملة الوحيدة لديك، وأنت الوحيد الذي يمكن أن تحدد كيف سيتم صرفها. توخى الحذر لئلا تدع الآخرين ينفقونه لك». لذا كلما شعرنا بالحزن أو الضيق أو الأسى أو أيّ من المشاعر السلبية، لنتأمل حجم الخسارة التي سندفعها من أعمار حيواتنا.

بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي
copy short url   نسخ
29/10/2016
4473