+ A
A -

قال تعالى «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي» (الفجر: 27- 30)،
يوم الاحد والتاريخ الثالث والعشرون من شهر اكتوبر لعام الفين وستة عشر، بداية أسبوع شهد حزنا لن يُنسى ورحيل من لن يرحل من العقل والذاكرة، الاحد الحزين شهد وفاة المغفور له بإذن الله صاحب السمو الأمير الأب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني- رحمه الله، وبالرغم من فاجعة الموت على أي قلب إلا ان ما يهون المصيبة ان الذكر باق عبر الأجيال، فالحياة تمضي بنا وتمر علينا فيها لحظات الفرح ولا يدوم فيها حال، فتمر أيضا كثير من لحظات الألم والحزن ولكن الإحساس الذي يراود كل منا ولا يفارقه أنه ستأتي لحظة حتمية سنفترق فيها فيعترينا الألم خشية أن يأتي اليوم الذي لا نرى أحبابنا في حياتنا ولا نسمع توجيهاتهم ونصائحهم، ولا نشعر بالاطمئنان القلبي بوجودهم حولنا حتى لو كانوا لا يقدمون لنا ما اعتادوا عليه من قبل.
ومما يؤكد لنا حتمية مجيء تلك اللحظة يقيننا بأن الدنيا كلها لم تُبن على الاجتماع واللقاء بل جُعل الفراق أساسا لها، فما من علاقة إلا وستأتي لحظة وستنقضي إما برحيل مادي بالموت أو السفر وإما برحيل معنوي حين ينشغل كل خل عمن كان في سابق العهد خليلا له، ومن أشد أنواع الفراق ألما فراق موت الأحبة، والحزن في هذه اللحظة طبيعة إنسانية، والبكاء فيه فطرة بشرية، فقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم على وفاة زوجته السيدة خديجة- رضي الله عنها، وبكى لموت ابنه إبراهيم فتعجب بعض الصحابة من بكائه إذ كانوا يتصورون أن بكاء الرجال نوع من النقص فيهم ينبغي أن يترفعوا عنه فأوضح الرحمة المهداة لهم أن تلك الدمعات من الرحمة التي أودعها الله في قلوب عباده، وهل سننسى إذا تلك العيون لوالد الجميع قلب قطر التي تحمل حبا وعطفا، وما حل بها من الم وبريق دمعة حائرة لوداع قلب خليفة الأب وهو متكئ على كتف خليفة الابن في صورة لا تصورها أي لوحة أو عبارة، والموت تلك الكلمة المرعبة التي تقشعر لهولها الأبدان والمكونة من ثلاثة أحرف تثير الرعب في قلوب عباد الله، الموت ما ذكر عند جليلٍ إلا وحقره وما قورن بعظيمٍ إلا وأذله، ذلك المخلوق المرعب الذي ترتعد الفرائص عند ذكره، مخيف، غامض، مرعب، كريه بغيض للنفس، والموت يا سادة مصيبة وأي مصيبة سماه الله مصيبة فقال جل وعلا (فأصابتكم مصيبة الموت) الموت لا يعرفك ولا يجاملك ويأتيك دونما إنذارٍ في بعض الأوقات، حادث أو طعنة أو نوبة قلبية، صعقة كهربائية أو انهيار في وظائف القلب بصورةٍ مفاجئةٍ، وفي بعض الأحيان قد ينذرك أو تنذرك علاماتها بصورة مرض أو غيره، ومهما سبقت حالة الوفاة من مقدمات أو لا فهو يبقى كالذي يهجم فجأةً كلصٍ غادر لكنه هجم عليك بقدر من الله (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
ولأن الموت حق فلا يحق لنا الا الايمان بقضاء الله وقدره مرددين «إنا لله وإنا اليه راجعون». فقد غادرنا إلى الدار الآخرة وبعد سنوات من العطاء لخدمة قطر وشعبها وقضايا الأمتين العربية والإسلامية في مسيرة طويلة من العطاء وتدبير الأمور، سمو الأمير الأب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني- رحمه الله، وهو الذي قال مرحبا «أهلا بالجميع في دوحة الجميع» - نقول له وبعد رحيله: ستبقى راحلا ما رحل ورحمك الله يا فقيد الوطن ومن ترك خيرا ومآثر جمة ما مات ولا رحل من الذاكرة والقلب معا، وتغمد الله الفقيد الكبير بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والأبرار وجزاه خير الجزاء عما قدم لوطنه وأمته وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان و«إنا لله وإنا إليه راجعون».. ودمتم بود.
بقلم : ابتسام الحبيل
copy short url   نسخ
29/10/2016
3546