+ A
A -
ظل سؤال يتكرر في عالمنا العربي، في سياق التنافس الانتخابي على الرئاسة الأميركية، عما إذا كان أي من المرشحين المتنافسين، هو الأكثر صلاحية– من وجهة نظر عربية– لقضايا المنطقة. . ودون أن نتشعب في مسارات عديدة داخل النظام الأميركي، ومدى تأثير كل منها على السياسة الخارجية، فإن هناك ما يميز عالم السياسة في الولايات المتحدة، عن أي شيء مشابه في أي دولة في العالم، بما في ذلك حلفاؤها في أوروبا.
وإذا عدنا إلى السؤال الذي بدأنا به هذا المقال، عما ستكون عليه سياسة الرئيس الجديد، فسنجد أن في تاريخ الولايات المتحدة رؤساء، لم يكن لديهم إلمام كاف وعميق بالسياسة الخارجية، لكن تحققت في عهودهم إنجازات سياسية ودولية مهمة، نتيجة اعتمادهم على أصحاب الخبرة، خاصة من ينتمون إلى هذه المراكز.. ومن هؤلاء الرؤساء قليلي الخبرة بالسياسة الخارجية، هاري ترومان، والذي عوض نقص خبرته، بإحاطة نفسه بالخبراء ذوي التميز والمعرفة العميقة بالعالم، وعلى رأسهم جورج مارشال الذي كان وزيراً لخارجيته، ودين أتشيسون الذي يصفونه بعميد الدبلوماسية الحديثة، والمخطط الأول لإنشاء حلف الأطلنطي.. وهؤلاء كانوا في إدارة ترومان، هم صانعو مشروع مارشال، وإنشاء مؤسسات دولية مهمة، منها صندوق النقد، والبنك الدولي.
إن مراكز الفكر السياسي أصبحت تلعب في أميركا دوراً له نفوذ على أداء الرئيس نفسه، وكل رئيس يبدأ عهده بتشكيل طاقم حكومته ومساعديه، باختيار من هم أقرب إلى تفكيره، من خبراء مراكز الفكر السياسي.. وحتى من ظلوا في هذه المراكز، فهو أحياناً ما يتخذ من مقترحاتهم وبحوثهم، أساساً لسياسة خارجية له بشكل رسمي.
ولما كانت هناك أكثر من قوة مؤثرة بحكم الدستور والنظام السياسي، على صناعة السياسة الخارجية للرئيس، فإن الواقع العملي يكشف عن أن هذه القوى ليست منعزلة عن بعضها، أو أنها تتصرف فرادى.
فمثلاً يعرف الأميركيون عن نظامهم، السطوة الطاغية، لاثنتين من هذه القوى، وهما قوى الضغط LOBBIES وجماعات المصالح INTEREST GROUPS، الأولى يرتبط بعضها بدول أجنبية، وتكون داعماً لها في أي سياسة تتخذ بشأنها، مثل اللوبي اليهودي.
والثانية تمثل مختلف الكيانات التي تعبر عن أصحاب مصالح متنوعة، بدءاً من جماعة الدفاع عن حمل البنادق، وصولاً إلى الإمبراطوريات الاقتصادية الكبرى، وعلى رأسها صناعات السلاح.
وثبت من مئات الكتب التي صدرت في أميركا أن كثيراً من هذه القوى، نافذة في عمل مراكز الفكر السياسي، سواء من ناحية التمويل الذي تقدمه لها بسخاء، أو من ناحية التوافق الأيديولوجي.
وهو ما كان قد أثير في الكونغرس في العام الماضي عن تأثير دول أجنبية على صياغة أجندة عمل بعض هذه المراكز، مقابل ما تقدمه لها هذه الدول من تمويل بملايين الدولارات.
إن النظام السياسي الأميركي معقد للغاية، وهو كما سبق أن وصفه مسؤول أميركي، بأنه أشبه بخريطة حددت فوقها مساحات لكل قوة من القوى ذات النفوذ على قرار السياسة الخارجية، وأن أي رئيس جديد يدخل البيت الأبيض، لابد أن يحسب خطواته، فوق هذه الخريطة، بمراعاة مدى قوة ضغط أي من هذه القوى، على سياسته الخارجية، وحساب مصلحته في التماشي مع أي منها أكثر من غيرها.
لكن الرئيس أولاً وأخيراً يستخلص أفكاره من حكومة الظل غير الرسمية، التي تضم خبراء مهمتهم ابتكار الأفكار بشكل عاجل وغير متباطئ، يسعفون بها القيادات التنفيذية في حكومته، للتعامل مع الأحداث الدولية المتسارعة.
وإذا كان هناك في عالمنا العربي، من يسألون عمن هو أفضل لنا، فإن أياً من المرشحين المتنافسين، هو ابن لهذا النظام، ولا يستطيع منفرداً، الخروج على قواعده المستقرة والتقليدية.
لكن– تبقى قاعدة لا يستطيع النظام السياسي الأميركي، تجاهلها، بالرغم من الأفكار الثابتة لديه، وهي أن السياسة الخارجية في أميركا، يحكمها مبدأ توازن القوى، أي موازنة قدرات الرئيس وإدارته، بقدرات أخرى صاعدة في النظام العالمي.. فإذا حدث وتعدلت كفتا الميزان لصالح الطرف الخارجي، عندئذ يرغم صانع القرار في واشنطن، على إدخال تعديل في أولوياته السياسية، خشية اصطدامه بهذا التغيير العالمي في ميزان القوى..
وهذه هي أميركا.
بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
28/10/2016
3314