+ A
A -
بغض النظر عن الألغاز التي اكتنفت، وما زالت، تكوين تنظيم داعش واستيلاءه على مدن كبرى في كل من العراق وسوريا، كالموصل والرقة، وأيضا بغض النظر، عن الاستفادة الكبرى التي تحققت للنظام السوري، بوجود التنظيم- لاحظ أن الأسد لم يطلق رصاصة واحدة على داعش- فإن دحر داعش وتحرير المدن التي احتلها من قبضته، وإسقاط النموذج البغيض والخطير، الذي ادعى زورا أنه حكم إسلامي. اتصوره محل اتفاق، وهدفا لا خلاف على أهمية تحقيقه.
غير أن السؤال عن ما بعد الدحر والتحرير، وإذا ما كان ذلك يعني أن خطر التنظيم وإمكانية عودته في أي صورة كانت قد زال، يبقى سؤالا مهما ومحوريا.. فدوافع وأسباب اعتناق الفكر الداعشي، إن كان ثمة فكر لدى التنظيم، مرشحة للاستمرار، وربما، وهو الأخطر، أن تعززها وتدعمها الممارسات الطائفية، التي يحتمل وقوعها بشدة بعد طرد داعش من مدينة الموصل.
السؤال عن ما بعد تحرير الموصل طرحته أيضا مجلة ذي إيكونوميست البريطانية، ومع تأكيدها أن المدينة ستُستعاد من سيطرة داعش، ولكنها تساءلت بأي تكلفة وبأي نتيجة ستكون هذه الاستعادة؟ وقالت
إنه إذا لم يتم اتباع الاستراتيجية والنهج السياسي بشكل صحيح، فإن المعركة في الموصل قد تنهي شكلا من أشكال الرعب ليبدأ شيء آخر بالسوء نفسه.
ما يمكن استخلاصه، من حديث ذي إيكونوميست، أنه في ظل غياب مشروع سياسي وطني توافقي، وتراجع قيم المواطنة، واستمرار حالة السلطوية القمعية بالمنطقة، ومعاناة مكون ضخم من مكونات الشعب من التهميش، كما هو الحال في العراق، ومواصلة النظام لجرائمه اللاإنسانية البشعة، كما هو الحال في سوريا، سيبقى الخطر والشر ماثلين، وسيظل تحجيم، وليس القضاء على «الفكرة الداعشية»، بعيدا عن المتناول.
الصحفي الفرنسي نيكولا هينان، الذي أسر لدى داعش لمدة عشرة أشهر، منذ يوليو 2013، إلى أبريل من العام 2014، قال في حديث مع إحدى الفضائيات الفرنسية، عقب اعتداءات باريس الدموية، «خطأ كبير نرتكبه حين نعتبر أن داعش هي الشرّ. لقد كنت أنا نفسي ضحيتها، ومن ثمَّ لن أذهب إلى البدء بالدفاع عنها وأن أقول إنهم ليسوا أشراراً. لكنهم ليسوا إلا مظهر الشر. تصور صديقاً يأتي لرؤيتك ويشكو من أن مطبخه حافل بالصراصير. يطلب مساعدتك لكي يقضي عليها. تذهب وتتحقق من أن المطبخ مقرف، فالجدران مغطاة بالدهون، والأرض ملأى ببقايا الطعام الفاسد، تجيب صديقك، مطبخك ليس وسخاً، إنه مقرف فقط، فإما أن نقوم بالتنظيف، فتختفي الصراصير لوحدها بسرعة كبيرة، وإما أن نركض وراءها ونصطادها، ونسمّمها، ولكن طالما بقي المطبخ وسخاً سيتوجب علينا الاستمرار في ملاحقتها».
بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
23/10/2016
1686