+ A
A -
على غير ترتيب، رشحت الأحداث تركيا لأن تلعب دورا أكثر تأثيرا في المشهدين السوري والعراقي، سواء على المستوى الدبلوماسي أو العسكري. ويحسب للسياسة التركية أنها نجحت سريعا في التفاعل مع هذه الأحداث بما جعلها تمتلك الكثير من الأوراق التي ترجح مصير المشهد هنا أو هناك، سلاما أو حربا.
كانت العلاقات التركية الروسية قد وصلت إلى حد المواجهة المسلحة عقب إسقاط أنقرة لطائرة عسكرية روسية بحجة أنها اخترقت الأجواء التركية. ووقتها اعتبرت موسكو الحدث عدوانا عليها وعلقت علاقاتها مع أنقرة وبدا مشهد العلاقات الثنائية متوترا للغاية. ولكن ما حدث أن الدولتين طوقتا أزمة الطائرة سريعا على غير المتوقع. وجاءت أحداث الانقلاب الفاشل في تركيا لتنقل هذا التحول إلى مرحلة أكثر قوة، حيث كانت موسكو أولى الدول التي أدانت الانقلاب. وقد استقبلت أنقرة هذا الموقف الروسي بتقدير كبير الذي بدوره فتح أبوابا جديدة للتقارب بين الطرفين. وانعكس هذا التقارب على الموقف التركي من الأزمة السورية حيث أصبح قريبا بعض الشيء من الموقف الروسي وبعيدا بعض الشيء أيضا من المعارضة السورية.
ولا شك أن انفتاح أنقرة على موسكو قد قابله ابتعاد من جانبها عن الموقفين الأميركي والأوروبي بسبب تأخر كل من الولايات المتحدة ودول أوروبا في إدانة الانقلاب الفاشل فيما اعتبرته أنقرة لبعض الوقت دليلا على مساندة هؤلاء للانقلابيين. وأدى ذلك إلى مراجعة تركيا لموقفها القديم الذي كان متطابقا مع الموقف الغربي بالنسبة لسوريا.
ولكن بالمقابل لم تشأ الدول الغربية أن تتعامل مع الانفتاح التركي على روسيا على أنه خسارة استراتيجية لها. فمع إدراكها أنها لا تستطيع إيقاف هذا الانفتاح حرصت على بقاء جسور العلاقة قوية مع أنقرة. وحتى عندما تأزمت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الإخفاق في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين بخصوص الهدنة في حلب الشرقية، لم تضغط لا واشنطن ولا أي عاصمة أوروبية على أنقرة لوقف انفتاحها على موسكو. وما ذلك إلا لأن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تدرك جيدا أنها ستكون في أمس الحاجة لتركيا إذا ما دقت الحرب طبولها بالفعل بحكم الوضع الاستراتيجي لتركيا في أية مواجهة عسكرية دولية كبرى.
وعندما تسارعت خطوات تحرير الموصل من تنظيم «داعش» قررت تركيا أن تتدخل بشكل مباشر في العملية. ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها في الحرب هناك لم يعترضوا على التحرك التركي. والمعنى أن كلا من تركيا والدول الغربية بينهما من أوجه الاتفاق أكثر من الخلاف فيما يتعلق بالوضع في العراق حتى إن كان ذلك على غير رغبة حكومة بغداد الصديقة للغرب.
بقى طرف ثالث مهم في معادلة القوة والتوازن في المشهدين السوري والعراقي وهو إيران. وبدورها نجحت أنقرة في إقامة علاقة قوية معها برغم التناقض الواضح في التوجهات بخصوص هذين المشهدين تحديدا. ومع ذلك كانت طهران من أوائل الدول التي أدانت الانقلاب الفاشل في تركيا تماما مثلما فعلت موسكو مما ترك أثرا طيبا عند أنقرة. كما نسج البلدان علاقات تعاون اقتصادي وثيقة وكبيرة. وعندما نشبت أزمة تحرير الموصل على خلفية موافقة حكومة بغداد على مشاركة «الحشد الشعبي» المحسوب على الطائفة الشيعية، وبالمقابل رفض تركيا الشديد لهذه المشاركة تخوفا لحدوث حرب طائفية ضد السنة هناك بعد تحرير المنطقة لم تشأ طهران إثارة أزمة مع أنقرة.
أما والحال كذلك فإنه يعنى ببساطة أن تركيا استطاعت تحويل الأحداث التي مثلت نقاط ضعف أو تحديات مضادة لدورها في المشهدين السوري والعراقي إلى نقاط قوة بما رشحها ليس لأن تلعب دورا عاديا- هو مؤثر في كل الأحوال بحكم وضعها الاستراتيجي- وإنما لأن يتم استدعاؤها من كل الأطراف المعنية لأن تلعب أدوارا فوق العادة بوصفها رافعة إنقاذ أو مفتاحا للحل.

بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
22/10/2016
2628