+ A
A -
حتى وقت قريب كانت الهوية القطرية تحدد بمعيار: قبلي، وغير قبلي.
اليوم أخشى من إدخال البعد الطائفي مستقبلا نتيجة وانعكاسا لمؤثرات خارجية وملامح داخلية كما أن هناك دور عبادة غير المساجد، ومركزا للأديان.
حتى البعد القبلي المحدد الرئيس للهوية القطرية سابقا يتعرض لضغوط كبيرة خاصة عند الحديث، عن دور المؤسس في بناء الدولة، مع عدم التأكيد على ملحمة التأسيس ودور المشاركين فيها، الأمر الذي أحدث ثقبا تاريخيا وفجوة في البناء الدرامي للدولة. وأفسح المجال واسعا للاستقطاب.
عمليات التجنيس أدخلت إطارا جديدا للهوية القطرية، سواء من الآسيويين أو من الإخوان العرب إلى جانب المعيار السابق. فهناك مجنسون من الطرفين، تدفع إلى الحاجة لتشريعات تنظم هذا الجانب.
كل معيار من هذه المعايير المحددة للهوية القطرية، يتحرك ضمن التحديات التي تواجهه، فالقبلي، نوستاليجي يدافع عن وضعه السابق، بينما غيره، يواجه تحديات وجودية، لذلك هو يتطلع للمستقبل وإن كان يعاني من نظرة المجتمع واتهاماته من حين لآخر.
كم أن المادة أفرزت هوية مضادة للتاريخ ومتماسكة أمامه، لذلك لاحظنا كسرا واضحا للتابو الاجتماعي الذي كان سائدا قبل عقود والذي كان يفصل تماما بين القبلي وغيره من حيث المصاهرة والتزاوج.
وأيضا أعادت المادة تحديد المكانة الاجتماعية، فلم يعد الجاه والأصل محددين كافيين، وبدت الثروة المالية تكسب كثيرا من الأرض الاجتماعية وتحيلها مرتعا لها ولنشاطها.
بروز إزدواجية بين المحافظة على الهوية والبروز بالمظهر الغربي، فتمت التضحية في أمثلة عديدة بالكفاءة المحلية من اجل المظهر الغربي واستقطاب الاسماء الغربية.
يقارن القطري بين وضعه ووضع اخوانه في دول الخليج الاخرى، قد يرى نفسه متفوقا على البعض من ناحية الرفاه النوعي، في حين يرى نفسه متأخرا عن البعض فيما يتعلق بمسألة بناء المجتمع المدني وملتقيات الثقافة.
التجارب التعليمية التي تنقل خلالها المجتمع خلال العقدين الماضيين، أثرت سلبا على الهوية القطرية، وعدم تحديد حد أدنى من المنهج المشترك لجميع المدارس، أوجد تقابلات دينية وأيديولوجية متضادة تعيش داخله، في حين خسرت اللغة العربية مجتمعا عربيا قحا، أجياله الحالية تعاني من العامية والإنجليزية المكسرة، ولغات آسيوية تحيط به من كل جانب وهو في وضع ضعيف، مقارنة بالاجيال السابقة.
أوجد التعليم ماضيا مبسترا خاليا من العيوب، مقدسا في معظمه لايستمع إلى الرأي الآخر ولا يستدعي عقله ولا يبدع كل ما عليه استحضار ما قاله السلف، دون نقاش، محتفظا دائما ببطاقة الاتهام دائما في جيبه.
أوجد التعليم ماضيا طوبائيا تسعى الأمة لاستعادته دائما بل ان هدف النشء العمل على ذلك، فأوجد نرجسية قاتلة لايمكن الفكاك منها أو التخلص منها.
بالرغم من اشراك المرأة والدفع بها قدما، لايزال قطاع كبير من المجتمع ومن وسط الشباب ينظر إلى ذلك بعدم الارتياح وهذا يدل على أن نظام التعليم متذبذب وغير مؤثر ويحتاج إلى مراجعة، نتيجة لمناهج التعليم المتضاربة، حيث مناهج ترى فيها عورة «تدرس» اليوم ومناهج تدفع بها إلى المقدمة والمشاركة قفزا.
أوجد ذلك صراعا بين القيم في المجتمع، فالمواطن يرى نفسه سيدا مرة وخادما مرة أخرى، يرى في الآخر أخا مرة ويرى فيه تحديا جاء على حساب رزقه تارة أخرى، يرى في الثروة نقمة ونعمة، ويرى في الماضي ملاذا من حاضر يتلاشى فيه.
جعل هذا الوضع القطري في حالة الدفاع دائما، فهو يدافع عن وطنه ممن جاء ليعمل فإذا به يستوطن ويستقر، ويدافع عن دينه وسماحته ممن جاء يعلمه الدين فأصبح عبئا ثقيلا عليه وعلى الدين، لسنا مجتمعا ضرائبيا، ليدفع مقابل اقامته وسكناه، لسنا مجتمعا دستوريا لنشعر بالأمان تجاهه.
دور الاعلام كان ولايزال سطحيا، يعزز من القيم وازدواجيتها، يريدك حرا ضمن نسق حرية المجتمع المفروضة، يعكس قيم الثقافة الاستهلاكية من مولات وفنادق ومطاعم، في نفس الوقت يعزز قيم البداوة والعصبية القبلية من خلال برامج التراث التي تعطي النشء انطباعا غير صحيح عن موروثاته التي كانت في معظمها نشاطات اقتصادية بحكم وضع المجتمع ىنذاك، فالقنص كان نشاطا اقتصاديا، والخويا لهم حق الشراكة، والفداوي كذلك مهنة، اختفى ذلك النمط الاقتصادي، القائم على محورية الشيخ فيه، بعد ظهور الحكومة، ولكن يبدو أن هناك انزياحا نحوه بالرغم من توجه الدولة نحو المؤسسات وبنائها.
ليس للاعلام رسالة واضحة، يمكن قياس تقدمه من عدمه على مؤشراتها، كم عدد البرامج الحوارية في الاعلام، ماذا تقدم؟ ما القضايا وأولوياتها في المجتمع؟ في حين أن في قطر أكبر قناة حوارية في العالم العربي، وهنا دليل على الازدواجية بين الشيء ونقيضه تبدو واضحة.
أرجو ألا يغفل المسؤولون عن الجانب الاجتماعي وهم في حمى الدفع اقتصاديا لتحقيق التزامات الدولة نحو الخارج، فكثيرا ما كان الجانب الاجتماعي المهمل، هو كعب أخيل للحكومات والانظمة، كل ما يتطلبه الوضع هو التنظيم ومواجهة المشاكل ودراستها وعدم جعلها تتراكم، فالهوية الوطنية تبنى تدريجيا من خلال القوانين والنظم ونظم التعليم المحكمة ووسائل الاعلام الواعية، ولا تترك للمشافهة وقصائد الشعر.
• اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
بقلم عبدالعزيز بن محمد الخاطر
copy short url   نسخ
20/10/2016
1205