+ A
A -
في عام 1897 هاجر كثير من الألمان إلى الولايات المتحدة. لعب عاملان أساسيان في التشجيع على الهجرة، العامل الأول: هو الصراع الديني بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا، والعامل الثاني: هو توارد الأخبار عن اكتشاف مناجم الذهب في أميركا.

كان من بين المهاجرين شاب يدعى فريديرك ترامب، لم يتوجه فريديريك إلى نيويورك شأن معظم المهاجرين الآخرين، ولكنه توجه إلى ولاية واشنطن في شمال الولايات المتحدة وأقام في مدينة سياتل ليكون قريباً من مناجم الذهب.

في ذلك الوقت ترددت أنباء عن اكتشاف منجم غني جداً في منطقة كلونديك، مما حمل الآلاف من الأميركيين إلى مغادرة مدنهم وبلداتهم والتوجه إلى المنجم بحثاً عن الثروة السريعة.

وكان فريديرك واحداً منهم، إلا ان الذهب الذي كان يبحث عنه لم يكن في منجم الذهب، بل في جيوب العاملين في المنجم، فقد أقام فريديريك قرب المنجم فندقاً ومطعماً، كان يعرف ان الباحثين عن الذهب يحتاجون إلى مكان يأوون اليه.. والى طعام يتناولونه، والى خمور يشربونها، ولما كانوا من الشباب، فقد كانوا بحاجة ايضاً إلى من يرفّه عنهم.

تولى فريديريك تقديم كل هذه الخدمات، وجمع من وراء ذلك ثروة تفوق ثروات اصحاب الحظوظ السعيدة بمن فيهم الذين توفقوا في العثور على الذهب.

وتشكل الثروة التي جمعها الجد والتي بلغت 582 ألف دولار، أساس الثروة التي حملت الحفيد دونالد إلى ان يصبح واحداً من أغنى أغنياء الولايات المتحدة، فقد سار على درب جده في اقامة الفنادق والملاهي الليلية وأندية القمار والاعتماد على القمار وتجارة الجنس، مما ساعده على تضخيم ثروته.. وكان ذلك حافزاّ له لخوض معركة الرئاسة في الولايات المتحدة.

وفي حملته الانتخابية صب جام غضبه العنصري على فريقين من الأميركيين، هما المكسيكيون والمسلمون. فالمكسيكيون في أكثريتهم الساحقة هم من العمال الفقراء الذين هاجروا من بلادهم بحثاً عن فرص عمل في الولايات المتحدة تمكنهم من رفع مستوى حياتهم الاجتماعية ومساعدة عائلاتهم في الوطن الأم. لذلك فهم لا يرتادون الفنادق والمطاعم الفخمة ولا يترددون على الملاهي الليلية وأندية القمار التي يملكها دونالد ترامب بسبب ضيق ذات يدهم.

أما المسلمون الأميركيون فإنهم بحكم ثقافتهم الدينية والتزامهم الشرعي يتجنبون الخمر والميسر، ولذلك فهم ليسوا من زبائن مؤسساته التي هي مصدر ثروته.

وهكذا تكونت لديه المعادلة التي تقول: ان من لا ينفع ترامب لا ينفع الولايات المتحدة. فكان اعلانه الالتزام ببناء جدار على طول الحدود المكسيكية لمنع هجرة المكسيكيين (وتحميل الحكومة في مكسيكو نفقات بناء الجدار)، وكان اعلانه بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.

لم يكترث ترامب لرد فعل المكسيك ومن خلفها كل دول أميركا اللاتينية. ولم يكلف نفسه عناء حساب رد فعل العالم الإسلامي ( مليار و600 مليون مسلم) الذي يمتد من المحيط الاطلسي إلى المحيط الباسيفيكي، فالرجل ليس ملماً بالسياسة الخارجية، وكل اهتماماته تكاد تكون محصورة في فن إدارة علب الليل وأندية القمار وتتويج «ملكات» الجمال!

غير ان الولايات المتحدة ليست لاس فيغاس فقط. انها هارفرد وبرنستون. وهي «سيليكون فالي»، وهي البنتاغون والكونغرس والبيت الأبيض.. ومراكز الدراسات والأبحاث العلمية.

وهي الدولة الكبرى في العالم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. فهل يعقل ان يكون على رأس هذه الدولة رجل مثل «ترامب»؟.

على الرغم من تقدمه في الانتخابات التهميدية على مستوى الحزب الجمهوري، فانه يتعرض إلى ما لم يتعرض له مرشح للرئاسة الاميركية في تاريخ الانتخابات الأميركية كلها من هجاء وقدح وذم.



بقلم : محمد السماك

copy short url   نسخ
24/03/2016
2096