+ A
A -
ثمة طرفة كان يتبادلها السوريون لدى حصول خلاف ما في عائلة كبيرة أو مجتمع صغير، تقول الطرفة إن المختلفين يعقدون اللقاءات المتكررة للوصول إلى نقطة اتفاق واحدة وموحدة، هذه النقطة هي أن يتفقوا على ألا يتفقوا!
لا يبدو الوضع الدولي المتعلق بسوريا مختلفا عن هذه الطرفة، منذ خمس سنوات والاجتماعات تعقد وتتوالى، مؤتمرات دولية ومحادثات عامة وثنائية، اتفاقات علنية وأخرى سرية، دول الإقليم والدول العربية، والدول المعنية بالشأن السوري الخاص، سياسات تتغير يوميا، تصريحات متناقضة بين الحلفاء وبين خصومهم، إعلانات حروب كبرى، استعراضات قوى عسكرية وسياسية واقتصادية، تصريحات رنانة وطنانة لزعماء الدول المعنية، جولات مكوكية للأمم المتحدة ومندوبيها، دورات استثنائية لمجلس الأمن، اجتماعات طارئة لحقوق الإنسان، منظمات جديدة تنشأ مختصة بوضع السوريين، من يتابع ما يحدث ستذهله جدية المجتمع الدولي حول الشأن في سوريا، وسيحمد الله تعالى على أن السوريين في أيد أمينة، سيظن هذا إن كان المتابع لما يحدث يعيش في كوكب آخر، وليس في كوكب الكرة الأرضية، حيث لم يبق كائن حي فيها لم يعرف أو ينتبه، إلى أن كل ما يفعله العالم والمجتمع الدولي والسياسات الدولية هو مجرد ذر للرماد في العيون لا أكثر ولا أقل، أو ربما محاولة تبييض للضمير العالمي الذي لم تبق نقطة به لم يغطها الدم والقهر والحزن السوري، يحدث كل ما سبق منذ خمس سنوات ومأساة سوريا والسوريين لا تتوقف، لا يتوقف الموت ولا الدمار ولا التهجير والتشريد ولا التغيير الديموغرافي ولا الانقسام ولا التطرف المذهبي ولا التعصب القومي، ولا الحروب بين إخوة المنهج، ولا تدفق التطرف والمتطرفين إلى سوريا، لم يتوقف شيء من هذا في سوريا، لم تستطع هدنة واحدة أن تصمد لأكثر من يومين، لم يمر يوم بدون ضحايا، والأدهى أن غالبية تلك الاجتماعات والمؤتمرات والجلسات المنعقدة حول سوريا يغيب عنها السوريون بكافة أطيافهم، في النظام والمعارضة، وكأن الاثنين تواطآ على تسليم البلد بكل خرابها إلى الآخرين، مقابل بقائهما في الواجهة، أما خرابها الحالي والقادم فلا أحد منهما معني به، أما القهر الذي يعيشه السوريون أينما كانوا، فليس في وارد أحد، لم يسبق أن حدث شيء كهذا في التاريخ البشري الحديث، بلد عريق مثل سوريا يجتمع عليه زناة الأرض لإبقاء شعبه يعيش عنوة وقسرا تحت ظل نظام مجرم، أو ما ينتظرهم هو الموت والتهجير والتشريد، لا يمكن لسياسة الأمر الواقع المفروض أن تكون أكثر فجورا مما هي عليه في سوريا، ولا يمكن للنفاق الدولي أن يكون أكثر وضوحا مما هو عليه بما يخص سوريا، إن كان ثمة عدالة على هذه الأرض فيجب أن تجرى محاكمات تاريخية تحاكم فيها مرحلة بأكملها بكل رموزها السياسية والعسكرية في العالم، ما يجري بحق السوريين ليس جريمة حرب، ولا جريمة دولة، بل هو جرائم يومية متواصلة يقوم بها مجتمع دولي بأكمله، بدوله وهيئاته ومجالسه ومنظماته وزعمائه، جرائم سيدفع ذات يوم ثمنها الجميع، إذ لا يمكن أن يموت حق السوريين هكذا، لا يمكن أن يبلغ الشر الموجه نحو سوريا والسوريين إلى هذا المستوى دون أن يحاسب من تسبب به ومن ساعد على استمراره ومن غض النظر عنه.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
18/10/2016
2249