+ A
A -
أعادت ماجدة الرومي كتابة قصيدة نزار قباني: «مع الجريدة» بصوتها البلوري، فكانت الأغنية كما الفيلم القصير المحبوك، يضج بالحركة، ويشحذ الخيال، منذ أخرج حبيبها من معطفه الجريدة وعلبة الثقاب، وحتى غاب في الزحام مخلفاً وراءه الجريدة وحيدة، مثلها وحيدة.
المشاهد الواردة في القصيدة- الأغنية، جاءت حينما كانت الجرائد بصحبة كثيرين في منازلهم ومكاتبهم، يصعب الاستغناء عن قراءتها، بل كانت قراءة الصحف أو الجرائد- ومازالت لدى كثيرين- إدمانا جميلا محببا للنفس.
بنو جوجل وآبل وسامسونج..الخ، ومن قبلهم الفضائيات، حاولوا نزع البساط من تحت أقدام الصحافة الورقية، بتجميل وتعزيز والترويج للصحافة الإلكترونية الرقمية، ومن ثم بات السؤال، الذي مرارا ما تردد: ما هو مستقبل الصحف الورقية على ضوء تغول الصحافة الإلكترونية، خاصة أن هناك صحفا أميركية وأوروبية رفعت الراية البيضاء، وأعلنت استسلامها أمام غزو الصحافة الرقمية الجديدة، وأغلقت أبوابها وانسحبت على أطراف أصابعها من بلاط صاحبة الجلالة.
وظن بعض منا خطئا، أن أجيالا قادمة قد لا تفهم ما ورد في أغنية «الرومي»، لأن أزمانها ستكون قد خلت من الجرائد، بينما الجرائد الورقية ستبثه إلى ما شاء الله، ولن تخبو لأن الصحافة الرقمية جديد لا يقبل له شريكا.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية لم تستسلم، بل أصدرت طبعة دولية جديدة باسم «نيويورك تايمز إنترناشونال إديشن» بدلا من الطبعة السابقة التي كانت تصدر باسم نيويورك تايمز إنترناشونال، واقترن تغيير الاسم بتقديم وجبة صحفية لذيذة، بتصميم جديد وأخبار إضافية ومزيد من التحليلات، للحفاظ على جمهور النسخة الورقية
وأيضا ما يثبت أن الصحافة الورقية المتفوقة، لا يمكن أن تنقرض كظن متوهمين، أنه حتى اليوم، بل وفي الغد، ستظل الفضائيات تنقل عن الصحافة الورقية أخبارها وانفراداتها، والتعليق على كتاب المقالات فيها، واستضافة صحفييها الكبار للإدلاء بدلوهم في مجريات الأحداث وتواترها، حتى أنه يكاد لا توجد فضائية تبدأ يومها إلا بمثل هذه البرامج التي تعرض ما تورده الصحف الورقية، وبالتالي لن يكون هناك عالم في الغد يخلو من الصحافة الورقية.
غير أن ذلك لا يعني تخليدا للصحافة الورقية بغير استحقاقات، أو من دون مقتضيات، فقاعدة: «البقاء للأقوى» تقتضيها أن تطور من نفسها وأساليبها وتبويباتها واهتماماتها وإخراجها الصحفي، والأقلام التي تكتب فيها، وأن تتسع أحداقها على ما يستجد لدى الناس من اهتمامات، وأيضا ما يواجهونه من قضايا في حياتهم اليومية
فأن تغادر الصحافة الورقية رتابتها، وتبحث عن التغير المدروس ضرورة للبقاء على قيد الحياة، على الرغم من صعوبة المهمة وضغوطاتها، ليبقى بلاط صاحبة الجلالة زاهيا، رحبا وجاذبا.
بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
18/10/2016
933