+ A
A -
يجب أن يكون الفن حرا ليكون فنا.. فنحن نعيش في عالم شديد الخطورة، وقد وصلت حضارتنا إلى مرحلة أصبحت فيها البشرية قادرة على تحقيق غزارة في الانتاج، وثراء غير محدود، ومع ذلك فالفقر يزداد في العالم رغم هذا الثراء الضخم الذي أتيح للبشرية الآن. وهذا الوضع يهدد الإنسانية كلها، إن الآراء لم تتطور كثيرا حول الطريقة الصحيحة لاستخدام الثراء الذي تحقق عن طريق التقدم الكبير في قدرات الإنسان.. لم تتطور هذه الآراء منذ العصور القديمة التي كانت الخيول فيها تقوم بما لا يستطيع الإنسان عمله. وفي مثل هذه الأزمة الإنسانية التي تتمثل في الانتاج الضخم والثراء الكبير، مع بقاء الفقر على حاله.. بل واتساع مساحته في شتى أنحاء الأرض، فإنه يجب فحص كل فكرة جديدة بعناية وحرية، والفن يستطيع أن يعرض مثل هذه الافكار ويجعلها أكثر نبلا، إذا توافرت له الحرية الصحيحة.. هذا ما كتبه المسرحي والشاعر الالماني الكبير «برتولت بريخت» والذي هرب من طغيان هتلر، ليكتشف ان هناك أكثر من هتلر في كل مكان وزمان يحاربون الحرية باسم الحرية، لقد تمت محاكمته وكان مهددا بالسجن والنفي في بلد الحرية «أميركا»، التي وصل اليها وكله أمل بأن يكتب ويبدع بدون قيود أو ضغوط، فإذا به يحاكم بسبب قصيدة يشيد فيها بأهمية التعليم للكبار والصغار، قصيدة انتشرت بين الناس وباتت تتردد على ألسنة الطبقات الشعبية الفقيرة، خاصة بعد ان قام موسيقار معروف بتلحينها وتسجيلها على اسطوانة، كلمات القصيدة تقول: «تعلموا الأبجدية الآن.. إنها لا تكفي، ولكن تعلموها مع ذلك.. أيها الرجال الذين تعيشون على إعانة البطالة.. تعلموها.. أيها النزلاء في السجون.. تعلموها.. أيها الشيوخ في سن الخامسة والستين تعلموها.. تعلموها أيتها النساء في المطابخ.. تعلمنها.. فيجب عليكم أن تكونوا على استعداد لتحمل المسؤولية، وأن تأخذوا الامور على عاتقكم»، لقد ترك الاوصياء على الفكر كل المعاني المهمة والجميلة وركزوا على الجملة الاخيرة «خذوا الامور على عاتقكم» واعتبروها دعوة للشغب والثورة، ولم يختلف الامر كثيرا الآن عما كان منذ مائة عام أو اكثر، فما ان تنجح مسرحية أو ينجح كاتب حتى يظهر المتصيدون الذين يعيقون المسيرة، ويتفرغون لتحريض الرأي العام ضده.. وبدلا من أن يتفرغ الفنان لعمله ينشغل بالدفاع عنه.. وعن نفسه.. والنتيجة معروفة.. وصدق الراحل المبدع «يوسف ادريس» حين قال إن كل الكمية المعطاة من الحرية في الوطن العربي لا تكفي كاتبا واحدا.. لا تكفي فنانا واحدا.. والبركة اذا كانت هناك بركة في دعاة الفهم والتنوير المغمورين. والذين لا يجدون سبيلا للتميز سوى بالهجوم والتهجم على كل ما هو مميز. وكل من يملك القدرة والموهبة على التميز.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
16/10/2016
1026