+ A
A -
أفضل ما حقَّقه مشروع الحوار الوطني في السودان بين القوى السياسية المختلفة والمتنوعة، أنه وضع حداً لعبثية التفاوض الدائري، واستبدلها بحيوية التحاور.
بحسب تقسيم وتصنيف الدكتور الواثق كمير القيادي السابق بالحركة الشعبية قبل انفصال الجنوب، في مقاله المنشور بالصحافة السودانية قبل أيام تحت عنوان (خريطة تجب خريطة)، مايز كمير بين الحوار والتفاوض قائلاً:
المفاوضات هي من الأمور المُلازمة للتجارة، إذ تُعتبر التجارة، على نِطاق واسع، كبديل للحرب. إذن، فالتفاوض/ المفاوضات عادةً ما تتم حصرياً بين الحكومة وحاملي السّلاح.
أما الحوار فيعني تبادل الأفكار بين طرفين أو أكثر، مع احتفاظ كل طرفٍ، بحقه في الثبات على موقفهِ، حتى بعد انتهاء الحوار، إلا إذا اقتنعوا بقبول فكرة مُشتركة.
ظلت الحكومة السودانية حينما تعقد اتفاقاً مع القيادة السياسية لحركة متمردة في دارفور، تنتقل هذه القيادات إلى الخرطوم ضِمنَ صفقات التعيين والتوظيف السياسي وتترك جنودها في الميدان.
الجنود مع الأيام وطلبات وعروض الاستعانة يتحول ولاؤهم القتالي لقيادة أخرى تجلس بهم على مائدة تفاوض جديدة!
المؤسف أن أزمة دارفور فتحت باباً واسعاً للاستثمار ولبزنس الحرب، فهناك جهات عديدة دولية ومحلية تتعاظم مصالحها في استمرار أوضاع عدم الاستقرار وبقاء الإقليم في منزلةٍ بين المنزلتين، بين الحرب والسلم.
سياسيون يبحثون عن المناصب وما يترتب عليها من مكاسب مالية ومعنوية، وعسكريون يجدون في هذه الحالة الملتبسة، وضعا صالحا للسلب والنهب وبيع الولاءات، ومنظمات تستفيد من الحالة في جمع التبرعات واستدامة الدعم، ومثقفون وأنصاف متعلمين تصبح عندهم دارفور بطاقة رابحة في نوافذ اللجوء السياسي وبرامج إعادة التوطين بالدول الغربية.
أسلوب حرب العصابات لتحقيق المصالح السياسية ونيل المناصب أصبح أسلوبا قديما وبائسا، وبات فاقداً للجدوى السياسية في افريقيا وفي أميركا الجنوبية واسيا الوسطى.
أسلوب من إرث القرن الماضي، من أيام إرنستو تشي جي?ارا وماو تسي تونغ، لا تجده حتى في أكثر الدول الإفريقية تخلفاً الآن.
انتهى حتى في أريتريا وتشاد، ولم يحقق نجاحاً في مالي.
المواطنون الأبرياء والشباب الصغار الذين يُزجُّ بهم في أتون الحرب بمقابل زهيد ودعاية ساذجة تغازل أحلامهم المشوهة، هم المتضررون من حروب العصابات في الأساس.
أما الساسة، فهم دائماً في انتظار التسويات، عبر صفقات تقسيم التورتة في المنتجعات والفنادق الأنيقة!
نعم، مع حرب العصابات، فالحكومات لن تستقر سياسياً وأمنياً، وستعاني اقتصادياً؛ ولكن في المقابل فإن الحركات لن تحقِّقَ ما تريد، وستظل أنشطتها محصورة في نطاق ضيق وهامشي، وقد تُحقِّقُ نجاحات صغيرة، ولكنها بتكلفة باهظة.
متمردو التاميل في سيرلانكا، بعد أن وجدوا أنفسهم محصورين في بقعة صغيرة من الأرض المغطاة بالغابات، اضطروا إلى إلقاء السلاح للأبد.
جرثومة العنف ستستمر تفتك بالجميع حاكمين كانوا أو معارضين.
هي ذات الجرثومة التي حقنوا بها شرايين التاريخ.
ثقافة نيل الحقوق بقوة السلاح، ستُدِيمُ الأزمة، ولن تُنتج سوى حلولٍ هشةٍ ومؤقتةٍ، سرعان ما تتلاشى مع أول طلقة رصاص مجهولة المصدر!
الحكومة السودانية عليها أن تفهم بأنها لا تستطيع تحقيق استقرار عبر أدوات السلطة وبأسلوب التسلط.
والحركات المسلحة لن تحقق ما تريد عبر العمل المسلح، إذا نجحت في ذلك اليوم سيرتدُّ عليها غداً، مثل ما حدث في جوبا.
من سيصل للسلطة بالسلاح، سيحكم به وسيقاوم به، وسنظل في دائرة خبيثة مغلقة.
نقطة البداية هي ذاتها نقطة النهاية، والعكس صحيح.
لابد من طريق ثالث من مصلحة الوطن أن يختاره الحزب الحاكم لتحقيق الاستقرار وإنهاء الحروب، وتختاره الحركات للتعبير عن المظالم والمطالبة بالحقوق.
بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
16/10/2016
2939