+ A
A -
مثلت الانتخابات التشريعية في المغرب قبل أيام، وفي الأردن قبل أسابيع، الدليل العملي على إمكانية السير في عملية الإصلاح الديمقراطي، دون صدام أهلي أو حروب دموية كتلك التي آلت إليها تجارب عربية. ولا يمكننا في هذا السياق أن نتجاهل النموذج التونسي، الذي يمثل حالة متقدمة، ويتيمة للدول العربية التي شهدت ثورات شعبية أطاحت بحكام مستبدين، وغرقت بالفوضى.
أهم ما في النموذجين المغربي والأردني، مع اختلاف التفاصيل، هو نجاح نظامي الحكم في البلدين، في استيعاب حركات الإسلام السياسي في إطار العملية الديمقراطية، دون إقصاء أو قمع وتهميش، ودمجها في مؤسسات الدولة.
في المغرب، التي قطعت شوطاً طويلاً في التناوب السياسي، احتفظ حزب العدالة والتنمية، الممثل الأكبر لتيار الإسلام السياسي بالأكثرية في المجلس التشريعي، بما يؤهله لقيادة ائتلاف حزبي لتشكيل الحكومة للمرة الثانية.
تجربة الحزب الأولى في الحكم خلال السنوات الأربع الماضية، كانت اختبارا ناجحا، لقدرة الحزب على التكيف مع قواعد الحكم في المملكة المغربية، ولحرص مؤسسة العرش هناك على إدامة تجربة التناوب بقيادة حزب إسلامي.
لم تكن سياسات حكومة «بن كيران» محل قبول شعبي دائما؛ فقد اتخذ قرارات اقتصادية قاسية، لكن استثمر الشعبية التي يتمتع بها لتمرير ما يرى فيه مصلحة للبلاد.
وثبت في الانتخابات الأخيرة أن الأغلبية قد قبلت بهذه السياسات، ولم تعاقب الحزب عليها في صناديق الاقتراع.
المؤسسة الملكية في المغرب، صانت هذا المسار؛ فلا جيش ينقلب على الرئيس المنتخب كما حدث في مصر، ولا أجهزة حكومية تتآمر على الحكومة المنتخبة وتطيح فيها.
في الأردن قاطع الإسلاميون العملية الانتخابية لدورتين متتاليتين، ومثلهم أحزاب أخرى، احتجاجا على قانون الانتخاب. لكن بعد تغيير القانون، انخرط الجميع في الانتخابات.
وكان التحدي هو قبول الدولة بعملية انتخابية حرة ونزيهة، ترسل إلى البرلمان كتلة وازنة للمعارضة الإسلامية.
أجريت الانتخابات، وكانت نزيهة حقا باعتراف حزب جبهة العمل الإسلامي، والمراقبين الأوروبيين والمحليين. وباستثناء حادثة سرقة صناديق اقتراع في دائرة صغيرة لم يترشح فيها إسلاميون أو من أحزاب المعارضة الأخرى، لم تسجل أية ملاحظات جوهرية تمس نزاهة الدولة، أو الهيئة المستقلة التي أدارت الانتخابات وأشرفت عليها.
نال «جبهة العمل الإسلامي» 15 مقعدا في البرلمان المكون من 130 عضوا، وفاز نحو عشرة من المحسوبين على تيارات إسلامية أخرى في الانتخابات.
قبلت الدولة بنتائج الانتخابات، ورحبت بعودة الإسلاميين إلى البرلمان. لم تتشكل حكومة حزبية في الأردن كما في المغرب؛ فلا تزال هناك مراحل من التطور الديمقراطي لم نبلغها بعد في الأردن، نستطيع بعدها الوصول إلى ذلك الهدف.
لكن الحكومة التي تشكلت من خارج البرلمان، عليها أن تتقدم في غضون شهر لطلب ثقة مجلس النواب، وإن لم تنلها تستقيل، لتكلف شخصية ثانية بتشكيل حكومة جديدة.
تجري هذه العملية الديمقراطية بسلاسة في الأردن، وينخرط فيها الإسلاميون، بينما على حدوده الشمالية والشرقية، يذبح الناس على الهوية، في العراق وسوريا.
في المشرق العربي ومغربه، تأكد أن الأنظمة الحاكمة قادرة على مجاراة طموح شعوبها بالديمقراطية والانتخابات الحرة، دون انقلابات وثورات، ودماء تغمر شوارع المدن.
ترى لو استجاب حكام سوريا واليمن وليبيا ومصر والعراق مثلما استجابت بلدان مثل الأردن والمغرب، لتغير مجرى الأحداث تماما في تلك الدول، ولتجنبت شعوبها حمامات الدم، وتعريض وحدة بلدانهم للتقسيم والتفكيك، والاحتلالات الأجنبية التي ترتع اليوم فيها، وتتحكم بمصير حكامها، مثل سوريا.
المعارضة الإسلامية تحكم في المغرب اليوم، وتحضر في البرلمان الأردني، ماذا حصل؟
البلدان أكثر استقرارا وثقة بالنفس، أما الذين اختاروا طريق القمع، فانظروا ماحل بهم وبأوطانهم.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
13/10/2016
2610