+ A
A -
حين سئل الاديب الراحل يحيى حقي صاحب أهم رواية عن الاغتراب النفسي في العصر الحديث «قنديل ام هاشم»عن مفهومه للسعادة قال: لا ولوج إلى ساحة السعادة إلا من خلال أحد الأبواب الثلاثة: الإيمان، والفن، الحب.وطبق هذه المقولة في حياته حتى النهاية.وفي رسائله إلى ابنته الوحيدة نهى التي عاشت في البحرين بعيدا عنه لم تخل رسالة واحدة من هذه القناعات التي عاش ومات وهو متمسك بها.. كما لم يلجأ لمخلوق يطلب المساعدة منه حتى في اشد حالات العوز بل اكتفى بالبوح لأقرب الناس اليه ابنته. وحتى هذا البوح كان يأتي عرضا وفي اقل من سطر وكأنه ذكر من قبيل اطالة الرسالة أو كنوع من الأخبار الشخصية لا أكثر،ورغم ان رسائل ابنته الشابة التي لم يكن ينقصها شيء تفيض بالشكوى والانين فان رسائله لها هو الشيخ الطاعن في السن المريض المفلس تفيض بالامل والقناعة والرضى.وكانت رسائلها تزعجه وتغضبه حتى انه لم يتمالك نفسه ذات مرة ورد معنفا: قلت لك بأنني قلق فما بالك بعد أن وصلني اليوم خطابك والذي تصفين فيه حالتك الصحية بصورة مزعجة جدا ومخيفة جدا،وتصوري حالي ازاي بقى..اعمل ايه يارب...كل الكلام مش نافع وكنت اتعشم فيك ولو واحد من عشرة من قوة الصمود وواحد من عشرة من قوة التوكل على الله. وكان الاديب الذي هجره الاصدقاء وضاقت به السبل يتجنب قدر أستطاعته ذكر متاعبه النفسية والصحية حتى اذا ألحت وحيدته لمعرفة كل التفاصيل سارع للتهوين من متاعبه،حامدا لله وشاكرا،ففي احد خطاباته يشير إلى انتظاره لعودة طبيب اسنانه لتركيب طقم جديد فيقول:أعرف ناس يأكلون بدون أسنان وبدون طقم.كأنهم يقولون ليس المهم ان نأكل.بل ايه إلى نأكله ومدام لقيناه نحمد ربنا.فأيهما أتعس..واحد عنده طقم اسنان ومش لاقي حاجة يأكلها وواحد بدون طقم وربنا فاتحها عليه...وعبر عن مرارته برسالة قال فيها: اصبحت منذ ثلاث سنوات تقريبا لا شغل ولا مشغلة.احاول ان أحاسب نفسي وأعللها وأقول: يحق لمن بلغ السبعين وكانت حياته نوعا من الجهاد الذي لا ينقطع ان يخلد للراحة..يقولها وهو غير مقتنع فراحة الكاتب ليست في الانقطاع عن العمل وانما في الاستمرار في العمل..لقد ظلت كلمات الدكتورة عائشة عبد الرحمن(بنت الشاطئ ) تدوي في اذنه.وتقض مضجعه..لقد قالت له عرضا اثناء قيادتها لسيارتها:وكانت هي أيضا قد تجاوزت الستين: يحسن بإصحاب القلم أذا شاخوا ان يسدلوا الستار بأنفسهم على مسرحهم صونا لهم من انتاج أعمال مصابة بالجفاف والسعال والروماتيزم.لقد قتلته هذه الكلمات قبل وفاته الفعلية بزمن طويل. لقد شعر بأنها تقصده بهذا القول.ولم تكن محقة فيما قالت فان هناك أقلام شابة لا حصر لها تعاني من امراض مستعصية ولا علاج لها ولا تفكر أبدا في الاعتزال..وقدرنا ان نحتفل ونطبل لأصحاب الكتاب الواحد بغض النظر عن قيمته الفنية.... وأن نحتفل بتأبين الأدباء الحقيقين قبل وبعد وفاتهم.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
09/10/2016
1162