+ A
A -
يحتدم السجال حاليا حول قرار إجراء الانتخابات البلدية في الضفة الغربية وتأجيلها في قطاع غزة، لدرجة أصبح هذا الموضوع هو الأولوية التي تطغى على ما عداها من أولويات تهم الشعب الفلسطيني وقضيته أكثر بألف مرة من الانتخابات البلدية أو غيرها من انتخابات نيابية أو رئاسية.

في حين أن الجميع بات يدرك أن مثل هذه الانتخابات لم تكن منذ توقيع اتفاق أوسلو سوى ملهاة للشعب الفلسطيني لإشغاله بعيداً عن الاهتمام بقضاياه الأساسية الكامنة في مواجهة الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية والتهويدية، والبحث في سبل تطوير النضال الوطني التحرري لتحرير فلسطين بدلا من الغرق في متاهات المراهنة على التسويات مع المحتل، والتي لم تؤد منذ الدخول في نفق أوسلو إلا إلى إضعاف النضال الوطني التحرري، وتوفير المناخات المواتية لسلطات الاحتلال لتحقيق مشاريعها التوسعية الهادفة إلى سرقة المزيد من الأرض، وصولاً إلى تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
أمام هذا الواقع تصبح الأولوية، ليس للانتخابات، وإنما لإعادة النظر جذريا بمسار أوسلو، والتركيز على مهمة وأولوية توحيد القوى والحركات والفعاليات الوطنية في إطار حركة تحرر وطني لتنظيم عملية المقاومة المسلحة والشعبية ضد الاحتلال.
ويبدو أن الشعب الفلسطيني قد استبق القوى والحركات الفلسطينية وعمد إلى تفجير انتفاضة ثالثة في سبتمبر الماضي، وهي اليوم تنهي عامها الأول محبطة كل رهانات الاحتلال على إخمادها، لكن بإمكان القوى المقاومة ملاقاة هذه الانتفاضة بالعمل على توسيع حركة المشاركة في الانتفاضة على المستويات كافة، إن كان على مستوى العمليات المسلحة ضد الاحتلال، أو على مستوى النضال الجماهيري عبر الإسهام في التظاهرات الشعبية.
فإذا كان قادة العدو وأجهزتهم الأمنية يعيشون في حالة من الارتباك والعجز أمام استمرار عمليات الانتفاضة بطعن ودهس الجنود والمستوطنين الصهاينة، بعدما اعتقدوا أن الانتفاضة قد ماتت، لكن الانتفاضة وعلى أعتاب عامها الأول فاجأت الاحتلال بشن سلسلة عمليات ناجحة في القدس والخليل، فإن ذلك يضع القوى الفلسطينية لاسيما المحسوبة على خط المقاومة، أمام تحدٍ حقيقي لاستئناف عمليات المقاومة، في كل فلسطين المحتلة ومنع العدو من الاستفراد بمناطق القدس والخليل لقمع الشعب الفلسطيني وثنيه عن الاستمرار في الانتفاضة وتوفير البيئة الحاضنة للشبان الذين ينفذون العمليات باعتبارهم أبطالا وقدوة ونموذجا لغيرهم من الشباب، وبالمقابل تعنيف كل من يتعامل مع المحتل، باعتباره خائنا لشعبه ووطنه، لتعود إلى الساحة القيم الوطنية الحقيقية التي تم تشويهها بعد اتفاق أوسلو الذي وفر البيئة للتعامل مع المحتل، في الوقت الذي كان يتم فيه ملاحقة المقاومين الذين يستمرون في مقاومة الاحتلال بزعم أنهم يلحقون الضرر بالمصلحة الوطنية العليا، حتى بات هناك من يستمرئ المشاركة في تشييع جنازات قتلة الشعب الفلسطيني أمثال شمعون بيريز الذي أسهم في بناء دولة الاحتلال والتأسيس لاستكمال مشروع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس وتهويد كامل أرض فلسطين.
من هنا فإنه لا سبيل لحماية عروبة أرض فلسطين ومنع الاحتلال من تحقيق أحلامه في تهويد فلسطين وتصفية قضيتها سوى من خلال العودة إلى وضع جدول أولويات وطنية تبدأ:
أولاً: التوقف عن مواصلة مسار أوسلو الكارثي الذي خدم أهداف الاحتلال، وبقاؤه لم يعد يجلب سوى المزيد من السلبيات والمصائب للشعب الفلسطيني.
ثانياً: الاقتناع بأن البديل عن أوسلو إنما يكون بإعادة تشكيل حركة التحرر الوطني الفلسطيني على أسس تضمن مشاركة وانخراط جميع القوى والفعاليات في الساحة الفلسطينية وتقوم على قاعدة برنامج وطني يعتمد المقاومة المسلحة ضد الاحتلال أسلوبا استراتيجيا، وتصب في إطاره كل إشكال النضال الأخرى: الشعبية والسياسية والدبلوماسية، بهدف تحرير فلسطين وعودة أبنائها إليها.
إن تشكيل هذا الإطار الوطني التحرري، على هذه الأسس المذكورة، هو السبيل للخروج من حالة التشرذم والانقسام التي يستفيد منها الاحتلال.
ثالثاً: تعزيز الانتفاضة ببعديها المسلح والشعبي، وزيادة زخمها، هو السبيل لمواجهة الهجوم الاستيطاني وإرباك خطط الاحتلال وبالتالي وضع حد لحالة الانقسام والتأسيس لإعادة بناء حركة التحرر الوطني، فالتفاف جميع القوى حول الانتفاضة وانخراطها في أنشطتها يوفر الأساس الذي يؤسس لحوار وطني صحي يحقق هذا الهدف الوطني.
حسين عطوي :
copy short url   نسخ
08/10/2016
1451