+ A
A -
قبل مائة عام استطاعت القوتان العظميان آنذاك بريطانيا وفرنسا أن تحرم روسيا من أن تصل إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط. فاتفاقية سايكس بيكو التي كانت روسيا على اطلاع بها تغير نتاجها ليقسم بين بريطانيا وفرنسا. يرد هذا الكلام في سياق مهم يربط الأمس باليوم وكذلك الغد، فها هي روسيا تمضي عاماً من التدخل العسكري الذي لم تستطع دولة عظمى ولا غيرها أن توقفه أو حتى الحد منه، وتتزايد حدة التدخل عبر اختبار القوة العسكرية التي لم تختبرها روسيا ربما منذ الحرب على أفغانستان في أواخر القرن العشرين، تتكئ روسيا على الحقيقة الظالمة التي يوجدها مجلس الأمن وهي كونها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي ولديها حق النقض الفيتو والذي منع أي جهد دولي للحد من سيل الدماء السورية والتدمير لكل قواعد البنية التحتية في سوريا.
عام مضى على تدخل روسي قالت عنه موسكو انه سيدوم شهراً، لكن السؤال المهم هو ما الذي حمل روسيا إلى ارسال القوات العسكرية والبحرية والجوية إلى سوريا؟ ثمة أمران هامان تستند اليهما روسيا في تدخلها في سوريا لا يشملان بالضرورة المحافظة على الوضع القائم في سوريا، وانما المساهمة في تشكيل وضع جديد يكون لموسكو كل الدور في تشكيله. ولعل أحد أهم المفردات للوضع الجديد هو تكرار سياسة التقسيم التي اتبعتها الولايات المتحدة لضمان تحقيق نتائج أفضل على الأرض.
الامر الاول الذي دفع بروسيا للتدخل العسكري يتعلق بحالة الهزيمة التي مُني بها النظام ومعه إيران والميليشيات، بحيث خسر النظام وحلفاؤه معظم الأراضي التابعة للجمهورية السورية. الانتظار حتى الوصول إلى تلك النقطة ثم التدخل يبدو انه مقصود حتى تتمكن روسيا من فرض كلمتها على المشهد السوري وهو الامر الذي دفع بإيران إلى تعيين مبعوث سياسي وعسكري للتنسيق مع روسيا والنظام في سوريا بخصوص التطورات السياسية والعسكرية. روسيا تبدو حريصة على أن تجعل الأطراف التي تعمل معها في سوريا بما في ذلك النظام يتراجعون إلى الخلف ويتبعونها.
الأمر الثاني يتعلق بحالة استعادة زمام المبادرة في المشهد الدولي لا سيما في العلاقة مع الولايات المتحدة عبر البوابة السورية. ما تفعله روسيا في سوريا سبق وأن فعلت الولايات المتحدة مثله في العراق وفي أفغانستان حين اتكأت على قوتها العسكرية وحق النقض الفيتو الممنوح لها في مجلس الأمن وكذلك قدرتها على تكييف تحالفات سريعة مع شركاء لها لتحقيق أهدافها. لذلك لا فضل أخلاقيا لواشنطن على موسكو فكلاهما ولغ في الدماء العربية واسترخصها.
إن ما تسمعه موسكو من انتقادات أميركية لما يحدث في سوريا لا يبدو أن موسكو تأخذه على محمل الجد ولا الاهمية. لأن مثل هذا الانتقادات وجهتها موسكو من قبل لواشنطن للقتل في العراق أو ليبيا وهو ما لم تستمع له واشنطن. الحضور بفعالية في المشهد الدولي واستعادة الهيبة يجعل روسيا غير آبهة بالآلاف الذين يُقتلون في سوريا ولا التدمير وهي ترى أن ما تسميه الجماعات الإرهابية هي المسؤولة.
عام من التدخل وتستمر جريمة تدمير الأرض والبشر في سوريا عبر البوابة الإيرانية وبوابة الامم المتحدة التي تبدو خرساء من حيث التحرك وليس لها الا الاستنكار. لا يبدو في الأفق ما يمكن أن يجبر روسيا على وقف جريمتها في سوريا، ويبدو أنه حتى تتحقق صيغة تضمن تشكيل الوضع الجديد الذي تريد روسيا ان تحقق مصالحها فيه فلا وقف للعدوان ولا يبقى الا الله للسوريين ومن آمن بما يؤمنون.

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
05/10/2016
2668