+ A
A -
عند الحديث عن توني موريسون، أي عن أزرق عين، أو العين الأكثر زرقة، وجاز، وغرام، ومحبوبة، وبالطبع نشيد سليمان، والعديد من الأعمال العظيمة الأخرى التي أنجزتها الكاتبة خلال مشوارها الأدبي الطويل والناجح والمتوج بجائزة نوبل «ولدت عام 1993»، فإنه سيكون حديثا عن الكتابة المختلفة، الكتابة التي تستمد من واقعها أصالتها وقوتها، لكنها لا ترتهن له، إذ نجد مجمل هذه الكتابات زاهية بالعذابات الخاصة لمجتمع السود الأميركي، لكن، ولأنها توني موريسون، فإن حديثا عن عذابات من هذا النوع لن يكون بكائيا، ولا هجائيا، ولا حتى استعراضا تاريخيا لذلك النضال الطويل من أجل الحرية، والتي لا يزال يكافح من أجل اتمامها ذلك المجتمع التعيس، لا، سيكون حديثا من نوع آخر، له علاقة بأسطرة المعاناة، تحويلها إلى شكل سردي له خصوصيته الخاصة، بعده الإنساني الذي ينزع من الذاتي «كون توني موريسون سوداء» إلى فضاء عام يفهمه ويتفاعل معه كل قارئ في أي مكان من العالم..
في روايتها «نشيد سليمان» الرواية الثالثة لها من حيث ترتيب الكتابة، والتي اختيرت كتاب الشهر وهي الرواية الثانية التي يتم اختيارها لكاتب أسود، وحصلت أيضا على جائزة النقاد الوطنية، في هذه الرواية الساحرة بشكل خاص، تجد نفسك أمام عالم لا متناه من السخرية المرة والسوداء، لا تجنح معه إلى الذهاب في شكل من أشكال تعذيب الذات، لكنك تتوازى معه، وتفهمه، وتتلقاه بطبيعة، وإن بألم في بعض الأوقات.
في هذه الرواية هناك أماكن تظهر فيها طريقة الكاتبة توني موريسون في أسطرة شخصياتها، يظهر شكلها الخاص جدا من الواقعية السحرية، والشخصية الأكثر إشارة إلى هذه الطريقة الخاصة في رواية نشيد سليمان هي شخصية: بيلاطس ميت، ذلك الاسم الذي تم اختياره بطريقة لا يمكن أن يكون هناك ما هو أكثر منها غرابة، حيث يمرر الأب «الذي لا يجيد القراءة» يده على صفحات الإنجيل، ويتوقف، عشوائيا، عند حروف كلمة تعجبه لا على التحديد، وللغرابة يكون هذا التوقف عند اسم «بيلاطس» الحاكم الروماني الذي حكم بالموت صلبا على السيد المسيح، ليختار هذا الاسم لأبنته الوحيدة، لكن الغرائبية ليس لها علاقة بهذا الاختيار، إنما لها علاقة بالشكل الجسدي لهذه البيلاطس، إذ أنها ولدت دون «سرة»،
- لأي شيء.. عندما كانت تسأل بيلاطس.. كان يُرد عليها من قبل المفجوعين بهذا المنظر:
- إنها للذين يولدون طبيعيا
هذا التكوين الجسدي «السرة» تلك التي تشبه «الدوامات الصغيرة على طول حواف الجدول» والتي يمتلكه كل الناس، الذي حرمت منه هذه الغريبة والذي دفع إلى الاعتقاد دائما بأنها شيء «لم يصنعه الله قط»، هي مثال على اللمسة الخاصة لتوني موريسون والتي تضعها دائما في رواياتها لتجعل أعمالها، جل أعمالها، تتحرك على الحد الفاصل بين الأدب الواقعي والأدب الفانتازي، في رواية محبوبة الرواية الأكثر شهرة لهذه الكاتبة، نجد شجرة الفراولة التي تنمو وتزهر في خطوط طويلة على ظهر أحد شخصيات الرواية، وفي العين الأكثر زرقة نجد هذه اللمسة أيضا. صحيح أن أدب موريسون يستمد مواضيعه دائما من الواقعي، لكنه أبدا لا يرتهن له، لا يحاكمه ولا يحكم عليه، ليس أدبا وعضيا بأي حال من الأحوال، ويبتعد قدر الإمكان عن أن يكون منشورا تحريضيا ضد الانتهاكات التي مُرست لأجيال طويلة ضد السود في الولايات المتحدة، لكنه ينقل، وهنا تكمن قوته وأصالته، هذه المآسي بالطريقة الوحيدة التي يجدر على الأدب القيام بها: الإبداع.

بقلم : ضيف فهد
copy short url   نسخ
02/10/2016
3200