+ A
A -
نساء اليابان مستبعدات من تولي العرش الإمبراطوري، وإن كن من نسل العائلة الحاكمة كما قلنا في مقال سابق. لذا فقد وجدن البديل في تولي المناصب الوزارية، لكنهن حتى في هذا المجال واجهن العوائق، وكان عليهن النضال ضد معارضة ذكورية شديدة إلى أن راحت تلك العوائق تسقط الواحد تلو الآخر بسبب تبدل الأفكار وتغير الزمن وظهور طبقة من السياسيين الشباب في المراكز القيادية.
وعليه فقد شهدت اليابان، ولاسيما في عهد رئيس وزرائها الأسبق «جونيتشيرو كويزومي»، دخول أكبر عدد من النساء في حكومته، كما تم اختيار أول سيدة كوزيرة للخارجية وهي «ماكيكو تاناكا» التي خلفتها زميلتها «يوريكو كاواجوتشي» في 2002. واليوم توجد في اليابان سيدتان شهيرتان في موقعين رسميين هامين هما: وزيرة الدفاع في حكومة رئيس الوزراء الحالي «شينزو آبي»، ووزيرة الدفاع السابقة «يوريكو كويكي» التي انتخبت مؤخرا كأول عمدة لطوكيو.
لكن عين نساء اليابان باتت اليوم مصوبة على المنصب الأعلى في البلاد وهو رئاسة الحكومة. فهل ستنضم اليابان أخيرا إلى قائمة الدول الآسيوية التي حكمتها أو تحكمها النساء؟
الإجابة ستقررها نتائج الانتخابات العامة القادمة في العام القادم. فطالما أن الحزب الديمقراطي الذي يمثل المعارضة الرئيسية في البلاد سيدخل هذه الانتخابات بقيادة سيدة شابة هي «رينو موراتا»، وطالما أن الأخيرة هي من ستتولى تشكيل الحكومة وقيادتها بمجرد فوز حزبها، فقد نكون أمام مشهد ياباني غير مسبوق، بل مشابه من ناحية الإثارة لمشهد خروج الحزب الديمقراطي الحر من السلطة في 2009 لأول مرة منذ تأسيسه في 1955. ذلك الخروج الذي وصف وقتذاك بالزلزال لأنه جاء على يد حزب جديد مغمور هو الحزب الديمقراطي الذي تقوده اليوم رينو، ناهيك عن أن فوزه كان بعدد 308 مقاعد، مقابل 119 مقعدا للحزب الديمقراطي الحر الذي لم يسبق له الخروج من السلطة قبل ذلك التاريخ إلا لمدة 11 شهرا ما بين 1993 و1994.
على أن الكثيرين من مراقبي الشأن الياباني ــ ومنهم كاتب هذه السطور ــ يرى أنّ حظوظ الحزب الديمقراطي وزعيمته رينو في الوصول إلى السلطة تبدو متواضعة لأسباب كثيرة. فالحزب المؤسس في 1998 ليس له تاريخ طويل في إدارة البلاد، بل أن السنوات الثلاث التي أمضاها في السلطة من 2009 إلى 2012 شهدت تخبطا في قراراته وسياساته، ونزاعا في أروقته الداخلية، وتحللا من تعهدات التزم بها، فكانت النتيجة أنْ صوّت اليابانيون في انتخابات 2012 لصالح خروجه من السلطة بأغلبية ساحقة. ومن ناحية أخرى فإن الحزب الديمقراطي، على العكس من الحزب الديمقراطي الحر، حزب مفكك ولا تجمعه عقيدة سياسية واضحة وصلبة، وتسوده خلافات مريرة حول العلاقات مع واشنطون. ذلك أنه مكون من عدة تشكيلات سياسية صغيرة قاسمها المشترك الوحيد أنها انشقت عن الحزب الديمقراطي الحر خلال الفترة ما بين 1992 و1993، علما بأن بروز الحزب كقوة معارضة رئيسية ما كان ليحدث لولا تراجع شعبية الحزب الاشتراكي الياباني الذي ظل يمثل دور المعارضة الرئيسية على مدى 4 عقود.
إلى ما سبق توجد عوامل قد تجعل الناخب الياباني ــ ولاسيما المحافظون منهم ــ يتردد في منح صوته لرينو. فالأخيرة نصف يابانية لأن والدها تايواني الجنسية (أو بمعنى آخر من الصين التي لها علاقات تاريخية شائكة مع اليابانيين). ثم أنها أثارت جدلا كبيرا قبيل انتخابها على رأس حزبها، بسبب إخفائها حقيقة تمتعها بالجنسية التايوانية إضافة إلى الجنسية اليابانية، وعدم تخليها عن إحدى الجنسيتين كما يقضي القانون، وادعائها أن عدم إعلانها عن ذلك هو «ذاكرتي المشوشة وبياناتي غير الواضحة»، الأمر الذي زارد الطين بلة! فكيف تكون مشوشة الذاكرة وتسعى لزعامة البلاد؟
وقد لا يقبل اليابانيون المحافظون أن يكون زعيمهم المقبل سيدة كانت في الثمانينات تعمل كعارضة أزياء قبل أن تتحول إلى نجمة تليفزيونية سليطة اللسان تستضيف رجال المال والسياسة في برامج حوارية وتغتالهم بالنبش في سيرهم وأعمالهم وحياتهم الخاصة.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
02/10/2016
2443