+ A
A -
رغم مرور نحو 13 عاماً على غزو العراق، فلا تزال أحداث الغزو وما ترتب عليه، محل مناقشات على المستويات السياسية، العسكرية، والأمنية، لسبب أساسي هو أن كثيراً من النتائج الكارثية المستمرة حتى هذا اليوم، كانت قد نبتت بذرتها الشيطانية في بيئة حرب العراق، يتصدرها الإرهاب، وظهور تنظيم داعش، والصراعات الطائفية، والمذهبية، والانقسام المجتمعي، والفوضى، التي تفشت بصورة مدمرة، وبعد أن تبين أن خطة هدم الدولة أثر غزو العراق، افتقدت أي خطة مكملة لإعادة بناء الدولة، واستقرارها.
كانت البداية بعد عام 2003، حين نظمت مناقشات في واشنطن حول البنية الحكومية في عراق ما بعد الحرب، شاركت فيها وزارتا الخارجية، والدفاع، والقيادة العسكرية المركزية، على مستوى نواب الوزراء، وقيادات عسكرية، وطرحت في المناقشات معلومات، توحي بماهية العقيدة العسكرية الأميركية في التعامل مع حروب إقليمية.
وكان ما بعد حرب العراق، نموذجاً للدراسة حتى الآن. وكما يقول فريدريك كيجان في كتابه «الحرب وما بعدها»، إن الرؤية الأميركية للحرب هي هدف تم تحديده، لكنها تجاهلت ما الذي سيكون عليه بلد العدو، في اللحظة التي يتوقف فيها إطلاق النار.
شرح هذا الجنرال انتونى زينى، قائد القيادة المركزية الأميركية السابق، بقوله: رأيت مشكلة أصابتني بالصدمة، وهي أن لدينا خطة لهزيمة جيش صدام، لكن ليست لدينا خطة لإعادة بناء العراق، وحين طلب من إدارات حكومية منها وزارتا الخارجية والتجارة، المساعدة في إعادة الاستقرار للعراق، كانت الإجابة هي: لسنا مهتمين.. NOT INTERESTED ومعنى ذلك أن لعبة الحرب كانت تتجه إلى تجاهل إنهاء اللعبة.
هذه القاعدة تثبت صحة ما سمي باستراتيجية منتصف الطريق، التي استخدمت في وصف حرب التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، فهي تسدد ضربات للتنظيم تحول دون تمدده أكثر مما هو عليه، لكنها لا تقضي عليه تماماً.
ويصل الأمر إلى تجاهل تحذيرات من تداعيات خطيرة، تنتج عن عدم استكمال الحرب، بإعادة البناء ونشر الاستقرار، وهو ما جاء في دراسة دمينيك تيرني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا، التي كتبها لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في لندن، ويقول إن المفتش العام، المختص بإعادة تعمير العراق، توصل إلى عدم وجود خطة مجهزة للتصرف إزاء الفوضى المتزايدة في العراق.
أيضاً يقول الجنرال جون أبازيد، قائد القيادة المركزية الأسبق،: رأينا في العراق غياباً للوضوح بشأن ظروف نهاية الحرب.
ومن المعروف أن المخابرات المركزية كانت قد أعدت تقريراً بعد سنة على حرب العراق، أكدت فيه أن نشاط الإرهاب في أجواء الفوضى، قد تضاعف ثلاث مرات في العراق، عما كان عليه قبل الغزو، بالإضافة إلى تقديرات أجهزة مخابرات أميركية من أن البعثيين سوف يشكلون تحالفاً مع المنظمات الإرهابية في العراق، بعد أن طبق عليهم البرنامج الذي سمي اجتثاث البعث.
معنى ذلك أن هذه التوقعات عن احتمالات قد تحققت بالفعل على أرض الواقع في ما بعد، كانت قد وضعت تحت نظر القيادات العسكرية، والسياسية، ولكنها لم تكتف بالتجاهل، بل زادت على ذلك باستئصال تام للبعثيين، وتفكيك الجيش، وتسريح أفراده، دون أي ضمانات لهم للمعيشة والكرامة.
وهو ما أسهم في دفع الأمور في الطريق نفسه الذي نبهت إليه مبكراً المخابرات الأميركية، بحيث انخرطت قيادات عسكرية من الجيش، ممن تم البطش بهم، في صفوف منظمات إرهابية، وخاصة داعش، وقدموا للتنظيم خبراتهم العسكرية.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
30/09/2016
2425