+ A
A -

نجح البيت الأبيض في تعطيل مشروع قرار تقدم به أعضاء في الكونغرس الاميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لفرض عقوبات على الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه.


مشروع القرار تم تقديمه إلى الكونغرس في 12 يوليو 2016 وسُمي مشروع قيصر سوريا لحماية المدنيين وذلك نسبة للمصور السوري الذي نجح في الهرب من سوريا ومعه أكثر من 55 ألف صورة حول التعذيب الذي يجري في سجون النظام السوري. مع وصول المشروع إلى مرحلة النقاش وضع البيت الأبيض ما يستطيع من الضغوط لمنع مناقشته لا سيما وأن المناقشة تأتي وواشنطن تعمل مع روسيا لمشروع وقف إطلاق نار في بداية سبتمبر. تبرير إدارة أوباما لأعضاء الكونغرس المتقدمين بالمشروع هو ان فرض عقوبات سيعقد الوصول إلى وقف إطلاق النار الذي من شأنه ان يمنع قتل مزيد من المدنيين في سوريا، لكن السؤال بقي دون رد من أوباما وإدارته هل توقف إطلاق النار فعلاً ام أن القنابل الحارقة والبراميل استمرت على مدينة حلب وغيرها في انحاء سوريا؟
سيذكر التاريخ أن توجه الولايات المتحدة ودول أوروبية معها نحو الثورة السورية لم يكن ايجابياً، وأن تلك الدول كانت مترددة في مواقفها منذ العام 2012 وأن ذلك الموقف غير الأخلاقي وغير الإنساني لم يتغير بشكل قاطع رغم الإبادة الجماعية المستمرة في سوريا. تفسير ذلك قد يكون في أن فكرة التغيير في سوريا لم تكن مُرحبا فيها من قبل تلك الدول، وحيث أن الثورات المضادة في العام 2012 كانت قد بدأت تنجح في ارباك مشهد الربيع العربي تمهيداً لإفشاله وإرجاع الامور إلى ما كانت عليه قبل العام 2010 فإن ذلك زاد من تردد الولايات المتحدة وبطء ادارتها في الرد على ما يجري في سوريا وسطحيته.
إن موقف أوباما وادارته من الثورة السورية كان مرتبطاً بمسار التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي، بعبارة أخرى كانت الإدارة معنية بإيجاد اختراق في الملف النووي الإيراني قبل ان يغادر أوباما البيت الأبيض، هذا يفسر ماراثون العمل الدبلوماسي الذي دخلت فيه الإدارة عبر وزير الخارجية جون كيري للتوصل لاتفاق في صيف 2015 ثم البدء بتنفيذه في مطلع العام 2016 بالطبع هذا المنهج في التعامل مع الملف ساعد روسيا في تعزيز دورها في الملف السوري كما أعطى النظام وحلفاءه مزيدا من الوقت للإسهاب في القتل.
حاول أوباما وادارته غسل يديه مبكراً واعفاء نفسه من دور أخلاقي في سوريا عبر المضي وراء الربط بين الثورة السورية وبين الإرهاب. إن خلط الاوراق الذي قامت به إدارة أوباما ومعها دول اوروبية عبر الربط بين جماعات مسلحة مساهمة في الثورة السورية وأخرى لها فعاليات تتجاوز الثورة السورية كان بمثابة القناعة التي اختفت الإدارة وراءها للاكتفاء بالمشاهدة. إن التردد في مساعدة السوريين هو ما ساعد جماعات مسلحة تصفها واشنطن بالإرهابية على الاستفادة من مناخ الفوضى في سوريا وتقوية نفوذها، وهو ما يمكن أن يحدث في أي بيئة غير مستقرة في العالم. يبدو أن العلاقة المتوترة بين تركيا والولايات المتحدة في الأعوام 2012 2016 لعبت دوراً في تبلور الموقف الاميركي المتردد. واشنطن لم تكن ترغب في أن تجني تركيا أي تفوق أخلاقي بسبب التأييد للثورة السورية. ويبدو أن المطلوب أميركيا وأوروبياً هو قدر من الاستنزاف الاقتصادي والسياسي لتركيا في الثورة السورية وما آلت اليه الامور.
لقد كانت الساحة السورية ميداناً يتصارع فيها خصوم الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، وأن ذلك الصراع كان مرغوباً فيه حتى تستنزف تلك القوى قدرتها العسكرية وتخسر أي رصيد شعبي لها، بالطبع تزامن هذا مع رغبة إدارة أوباما في عدم ارسال قوات أميركية خارج سوريا، وكذلك التركيز على اعتبار أن سوريا جزء من سياسة واشنطن في الحرب على ما يسمى الإرهاب. من جهة أخرى لقد جعلت مواقف أوباما من الأزمة السورية اميركا منصاعة بشكل كامل لروسيا، مشهد لا يمكن قراءته الا في سياق تراجع الدور الاميركي القيادي في المنطقة.
بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
28/09/2016
2512