+ A
A -
اطفال فلسطين لا يفضحون اسرائيل فحسب، بل يفضحون كل من حولها وادعياء نصرتها. هم اضعفنا جسدا، لكنهم اقوانا عزما حتى باتوا حامينا الوحيد، وحارسنا الاخير. يعطوننا الامل ونعطيهم اليأس. يمدوننا بالقوة ونمدهم بالضعف والتخاذل. يشجعوننا بصمودهم، فنحبطهم بمسلسل الفتن والتخبط والفوضى والتشرذم الذي لا يتوقف. يفتحون لنا قلوبهم، فنقفل كل الابواب في وجوههم، ووحدها اجسادهم الطرية لا تزال تقاتل وتدافع عنا جميعا، ومع ذلك لم يتراجعوا ولم يُهزموا وهم يبقون وحدهم وينتصرون.
الفتاة براءة رمضان ابنة الثلاث عشرة ربيعا افزعت بحقيبتها المدرسية الجيش «الذي لايقهر». حقيبتها «المشبوهة» لم تكن تحتو سوى اقلام وكتب وفاتر. لم تشهر سكينا في وجه حراس الموقع في قلقيليا لكنهم امطروها بالرصاص... فقط لانها اقتربت منهم ونظرت في عيونهم نظرة تحد.
ليست «ثقافة الموت» لدى الفلسطينيين كما يدعي الإسرائيليون ولا سياسة التحريض التي يتهمون السلطة الفلسطينية بممارستها هما اللتان شجعتا براء على تحدي رمز من رموز الاحتلال والمجازفة بالموت، بل دوافع شخصية فردية كالذكرى المؤلمة لمقتل شقيقتها رشا على الحاجز عينه العام الماضي، وتسليم رفاتها فقط قبل شهر إلى العائلة لدفنه. وهو أيضاً الاحساس بالغضب والمرارة واليأس والرغبة الشديدة المتأججة في صدر كل شاب فلسطيني في التمرد على واقع الخنوع والخضوع والذل وتحدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وبراءة ليست المنتفض الوحيد في وجه المحتل، اترابها يجعلون كل يوم شوارع القدس الشرقية والخليل دهاليز خوف للجنود الاسرائيليين. كل اساليب القمع والعقاب الجماعي ضد اصحاب الارض لم تجد نفعا. وما تجدد الهبّة الفلسطينية أو ما تسميه إسرائيل عمليات الأفراد، سوى دليل على ان الاسرائيليين لن يستطيعوا ان يعيشوا في أمان ما دام جيشهم يحتل أراضي الفلسطينيين.
انتفاضة اطفال فلسطين اقرب إلى صرخة غضب جماعية ليس فقط في وجه المحتل بل ايضا في وجه القيادات الفلسطينية التي هرمت وشاخت وابتعدت عن القضية. فشل الفصائل والاحزاب ومشاريع الانظمة والسلطات الصغيرة دفع بالجيل الجديد إلى البحث عن بديل عنها. بديل لا يشبه أيا من التجارب والنماذج السابقة ولم يتأثر بأي منها. عفوية هذا الغضب ادانة ممهورة بالدم لكل تجار القضية على الساحة الفلسطينية وخارجها. انتفاضة اولاد فلسطين، لعلها هي الانتفاضة المنطقية الوحيدة ضد الظلم الذي يعانيه هذا الشعب ويصعب تصديقه. هي ادانة لمجتمع دولي يدعي انه حر ولم يكترث لحظة لأسوأ محنة إنسانية في التاريخ البشري. هي ايضا ادانة لكل الحالة السياسية العربية التي ضيعت فلسطين وضيعت معها شعوبها ودولها باسم الدفاع عن القضية.
لطالما راهنت اسرائيل على ان ينسى أبناء الجيل الثالث مفتاح البيت المسروق في صفد وعكا ويافا... ولكن ها هم أبناء الجيل الرابع يقولون لاسرائيل بالدم وبأعلى الصوت ان صورة البيت لا تزال محفورة في القلب وفي عمق الذاكرة، وان القهر لا يوفر للمحتل أمنا وأن الحق لا يموت لا بالقوة ولا بالجبروت. هؤلاء يتحملون الوجع والالم ويرفضون القهر والمذلة. هؤلاء ليسوا محاصرين، بل هم وحدهم الاحرار يدافعون عن ارضهم وكرامتهم ويقاتلون حيث يتوجب القتال.ولئلا تضيع هذه التضحيات مجددا وحتى تشكل منعطفا حقيقيا في الصراع مع الاحتلال، لابد من احتضانها بحركة احتجاج شعبية سلمية واسعة النطاق تتحدى في آن واحد عجز السلطة الفلسطينية الحالية وآلة الموت الإسرائيلية.
copy short url   نسخ
28/09/2016
2520