+ A
A -
مع كل قنبلة عنقودية أو ارتجاجية تسقط على حلب يسقط معها سؤال مدوٍ: ماذا يريد الروس من حلب؟ وما هي المصلحة الروسية من قتل السوريين في حلب؟ ومع كل برميل متـفجر يسقط على رؤوس المدنيين يسقط سؤال مدوٍ آخر: ماذا يريد الإيرانيون ونظام الأسد من حلب المدينة وأكبر من ذلك حلب المحافظة؟ ولماذا حلب بالذات؟ حتى الأميركان تـتساقط الأسئلة بشأنهم مع تساقط صواريخهم الذكية التي تدمر بيوت السوريين البسطاء ولا تستهدف قوات تنظيم الدولة إلا بما يعتبر ذراً للرماد في العيون: ماذا تريد أميركا من حلب أيضاً؟ هل حلب هي المشكلة أم الحل؟
لم يترك الروس أسلحة محظورة أو غير محظورة إلا واستخدموها ضد سكان حلب العزل في استـفراد خطير (استـفراد القاتل بالضحية) قل أن يحدث مثله في التاريخ البشري! ولغـت روسيا في الدم السوري المحرم حتى الثمالة وكل ذلك ليس عبثاً ولن يكون! إنها الاستراتيجية الروسية المتوحشة التي تعمل في تـنسيق تام مع النـظام السوري وإيران! ومقـتضى هذه الاستراتيجية تـفريغ حلب من سكانها وتكرار عمليات التهجير القسري الذي حدثت من قبل في حمص وداريا والزبداني وذلك لرسم حدود آمنة لـ «سوريا المفيدة» التي تريدها روسيا لغرض فرض وجودها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية وعلى مقربة من المياه الدافـئة وتحسين وزنها الاستراتيجي في المنـظومة الدولية المتجددة ودعم موقـفها التـفاوضي في القضايا التي تـختلف فيها مع الغرب!
حشد الإيرانيون قوات النخبة من الحرس الثوري وأحاطوا بحلب كإحاطة السوار بالمعصم في استـفراد خطير كذلك لم يحدث إلا أيام غزوات الشيعي المشؤوم تيمورلنك! وأرسلت إيران مع حرسها الثوري آلافاً مؤلفة من الميليشيات الطائفية إلى حلب بحجة الدفاع عن مقام زينب في دمشق، وكل ذلك ليس عبثاً ولن يكون! إيران تـنفذ مع نـظام الأسد أجندة طائفية بدعم كامل من الروس والأميركان وآخرين بعضهم عرب سُنة للأسف! وتـقضي هذه الأجندة بالتهجـير القسري لأهل السُنة من مناطق وجودهم وتحقيق التعويض الديموغرافي بجلب عائلات شيعية من مخـتلف أصقاع العالم وزرعها في الفـضاء الفارغ ولدى إيران الضوء الأخضر لتـزرع ما تـشاء وتكرار نموذج داريا وحمص وعش الورور.. على مرأى ومسمع من العالم السُني الصامت!
تسعى إيران ومعها النـظام السوري إلى استـغلال الدعم الكبـير من أعداء سوريا خاصة روسيا والصمت المطبق من أصدقاء سوريا، إضافة إلى التواطؤ الأميركي الواضح لكي تحقق استراتيجيتها الميدانية بالسيطرة على حلب المدينة الاستراتيجية ومن ثم التمدد إلى ريف حلب الشمالي وإدلب وغيرها لفرض (الأمر الواقع) على أية مفاوضات تحدث بعد ذلك! كما حدث من فرض للأمر الواقع في ريف دمشق ودرعا وحمص وغيرها! تـقضي فلسفة (الأمر الواقع) العسكري بتحويل الثورة السورية المسلحة إلى كانـتونات صغيرة ومحاصرة يمكن السيطرة عليها نارياً واقـتصادياً ولا تـشكل تهديداً استراتيجياً على القمقم الطائفي الذي تجرى زراعته في أرض الشام المجيدة!
ماذا تريد أميركا من حلب؟ الاستراتيجية الأميركية في المنطقة انزوائية! غامضة وهذا تصرف مقصود لأن أميركا لا تخاف على مصالحها سواء مع أعداء سوريا (إيران وروسيا) أو حتى مع أصدقاء سوريا الذين لم يـبنوا استراتيجيات مهددة لمصالح اللاعبين الدمويين الذين يقـتلون الشعب السوري ليل نهار! لو خافت أميركا على مصالحها لقلبت العالم فوق تحت ولحركت دميات المنظمات الأممية ولفرقعت في مجلس الأمن وذكرت بالبند السابع والبنود الأخرى ولضغطت على بان كي مون لكي يقلق أكثر! لكنه التواطؤ الواضح وليس الصمت عن قصف قافلة الإغاثة الدولية إلا إشارة بسيطة لمن يريد أن يفهم اللعبة الكبـيرة على أسوار حلب الشهباء!
ما يحدث في حلب يعبر عن استراتيجية رباعية ماكرة (روسيا وإيران وأميركا ونظام الأسد) تستهدف حلب بجعلها نموذجاً صارخاً لفـشل الثورات العربية السلمية أو المسلحة التي تريد تـغيـير نظام عربي سقيم أو التأثير على نظام دولي غير مستـقيم!

بقلم : د. صنهات العتيبي
copy short url   نسخ
27/09/2016
3439