+ A
A -
يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية تريد أن تنهي فترة حكمها تاركة لمن يخلفها، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين، أحد أكثر الملفات السياسية الدولية تعقيداً وتركيباً وخطراً، فبعد فشل الهدنة التي اتفق عليها الطرفان الأميركي والروسي، في سوريا، تركت الولايات المتحدة الأميركية الأمر برمته لروسيا، مكتفية بالمراقبة والتنديد في محاولة لتبرئة نفسها مما يحصل، بالمقابل حشدت روسيا كل طاقتها العسكرية للحرب في سوريا، في استعراض مثير للدهشة، حيث تحركت أضخم حاملة طائرات لديها باتجاه الساحل السوري، وقصفت طائراتها قبل أيام شاحنات تابعة للأمم المتحدة، تحمل مساعدات غذائية وأدوية للمحاصرين في حلب، وأحرقتها بالكامل، في سابقة اكتفى المجتمع الدولي فيها بالتنديد والأسف، وها هي منذ أيام تقصف حلب الشرقية والشمال السوري بقنابل ارتجاجية تستخدم للمرة الأولى في سوريا، هذه القنابل التي لا تبقي حجراً فوق حجر، مخلفة مئات الضحايا، خلال أيام قليلة جداً، في الوقت الذي يصرح فيه رئيس النظام السوري في مقابلة أخيرة له، بأنه لا يتوقع حلاً سياسياً قريباً في سوريا، وأن المعارك ستستمر، مصراً على أن من تقصفهم روسيا والجيش السوري هم عناصر من التنظيمات الإرهابية، داعش والنصرة، في الوقت الذي تعرض كل شاشات العالم وفضائياته صوراً لأشلاء الأطفال والمدنيين في حلب، ومع ذلك لا يلتفت المجتمع الدولي إلى هذه المقتلة الكبرى التي سيوصم بها القرن الحادي والعشرون، بل يصر هذا المجتمع على ترويج فكرة الحرب ضد الإرهاب، وتتناسل من وراء هذه الفكرة تنظيمات جهادية راديكالية تعمل على سد ذرائع عدم المساس بالأنظمة القاتلة والتي لا يليق بها سوى اسم: مجرمو الحروب؛ إذ بما يمكن وصف ما تفعله روسيا في سوريا بغير جرائم الحرب؟ بما يمكن وصف ما فعله النظام السوري طيلة خمس سنين بغير جرائم الحرب، بما يمكن وصف ما فعلته إيران وحزب الله والتنظيمات الشيعية الأخرى بغير جرائم الحرب، بما يمكن وصف ما فعلته تركيا بفتح حدودها ليعبر آلاف المرتزقة من جهاديي داعش والقاعدة إلى سوريا بغير جرائم الحرب، بما يمكن وصف ما تفعله أميركا من تحريكها الخفي والعلني لكل خيوط اللعبة السورية بغير جرائم الحرب؟ بما يمكن وصف تمويل السلاح في سوريا من قبل دول ومنظمات وأفراد بغير جرائم الحرب؟ بما يمكن وصف صمت الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي ودول العالم عن كل هذه الجرائم اليومية الحاصلة بغير جرائم الحرب؟ أثبتت المأساة السورية اليومية أن عالمنا الحالي تحكمه مافيات تجارة الموت والسلاح، أو ربما من الأصح القول إن هذا العالم تحكمه عصابات خارجة عن القانون الأخلاقي والإنساني، عصابات وقطاعو طرق وقتلة متسلسلون، سادة ومأجورون، هؤلاء من يحكم عالمنا اليوم، وهؤلاء من يتحكمون بمصير ملايين البشر وحياتهم، وهؤلاء من يستخدمون كل شيء بما فيها الأديان وبما فيها اسم الله تعالى خدمة لمصالحهم، هؤلاء المجرمون لن يوجد من يحاسبهم على جرائهم، وسيصمتون حين يمعن أحدهم في ارتكاب الجرائم، ينددون بخجل ويطلقون تصريحات وتهديدات ولكنهم في حقيقة الأمر سيدعمونه خفين وسيتواطؤون معه على ارتكاب المزيد من الجرائم، طالما يمكنهم استخدام دماء الضحايا كأوراق اللعب في لعبة المقامرة الدولية الكبرى.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
27/09/2016
1868