+ A
A -

ستطل قطر مرة أخرى على العالم عبر منفذها البحري الجديد «ميناء حمد»، والذي من المقرر افتتاحه في القريب العاجل، وهو مدعاة للفخر، حيث سيكون هدية قطر للمنطقة والعالم مع اكتمال تشغيله بطاقته القصوى، ويجري العمل حالياً على قدم وساق لاتمام هذا الاستحقاق الكبير، تنفيذاً لتوجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله، حيث يولي سموه اهتماماً كبيراً بهذا المشروع، إذ قام سموه في يناير الماضي بزيارة تفقدية للميناء، وأعطى توجيهاته المباشرة، وكذلك الحرص الكامل لمعالي الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، ومتابعته الحثيثة لهذا المشروع العملاق من الأسباب الرئيسية للافتتاح الجزئي لهذا المشروع العملاق قبل الوقت المحدد له وفي ضوء الميزانية التي خُصصت له.
وبنظرة أكثر عمقاً لو كان هذا الميناء في عهدة بعض الجهات غير الجادة والتي عرف عنها تأخير المشاريع الكبرى للدولة- ومنها جهات معلومة للجميع، وعدم تسليمها للمشاريع المسندة اليها بالجودة والمعايير المطلوبة- لما كان ليرى هذا المشروع النور حتى الآن.. فلقد تميزت الجهات المشرفة على هذا المشروع الوطني بسرعة الانجاز والجرأة في اتخاذ القرار والمراقبة الدقيقة واللصيقة.. لتكون النتيجة كما هي الآن على أرض الواقع.
من هنا فإنه يتعين على كافة اللجان والجهات القائمة على المشاريع الأخرى بالدولة أخذ هذا المشروع الناجح كانموذج يحتذى على كافة الأصعدة، للعمل والاتقان والإخلاص، لما فيه مصلحة وطننا وتقدمه ورخائه.
السؤال الذي اود ان اطرحه هنا هو كيف لنا ان نستفيد من هذه التجربة لكي نتطور في ادارتنا لمشاريع الدولة الكبيرة؟
هناك قصة نجاح تحققت في شركة خدمة الطرود المتحدة، المعروفة اختصارا بـ «UPS»، وهي شركة أميركية تعثرت في بداياتها عام 1907 وحتى الاربعينيات من القرن الماضي، عندما كان الرئيس التنفيذي آنذاك جيمس كيسي يجد ان الكثير من الطرود لا تصل بالطريقة الصحيحة، ففكر في حل هذه المشكلة وقام بتتبع آلية عمل الموظفين الذين يقومون بالتوصيل الصحيح ودرس اسلوب عملهم وبعد ذلك اعتمد تلك الطريقة كآلية عمل في الشركة منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.
هذه الشركة اليوم بها اكثر من 350 ألف موظف حول العالم، وتقوم بإرسال 15 مليون شحنة يوميا.
النجاح في الانجاز المبكر يجب ان يستفاد منه في باقي المشاريع في الدولة ويجب ان نعتمد آلية العمل مع المجموعات الثانية فالوضع الذي نعيشه اليوم أفضل بكثير من الامس، وإذا نظرنا لعدد من القطاعات في قطر فسوف نجد عددا كافيا من المدارس للطلاب البالغ عددهم اكثر من 300 ألف طالب وطالبة، ومطار دولي يتناسب مع عدد المسافرين على الخطوط الجوية القطرية، والعابرين، الذين يتجاوزون الـ «25» مليون مسافر سنويا، ومؤسسة كهرماء التي تعتبر من أفضل المؤسسات الخدمية جنبا إلى جنب مع وزارة الداخلية وكذلك شركات قطرية عابرة للقارات مثلQNB وOOREDOO وغيرهما.
ولكن ذلك ليس كافياً ان نركن إلى هذه الحالة من المستوى الذي وصلنا اليه في بعض الخدمات الرئيسية التي ذكرتها اعلاه حيث ان البعض الآخر من الخدمات مثل مشاريع البنية التحتية مازالت متأخرة وتسبب مشاكل لنا.
ونحن على ثقة كاملة بأن هذا المرفق الحيوي – ميناء حمد- سيكون علامة فارقة في تنويع اقتصاد الدولة، تماشياً مع أهداف رؤية قطر الوطنية 2030، وهنا يمكن أن أشير إلى عدة نقاط تبدو ضرورية حول هذا الميناء الهام، منها:
- المساعدة في تحقيق التنوع الاقتصادي وتحسين القدرة التنافسية لدولة قطر في المنطقة عن طريق تحويلها إلى مركز تجاري إقليمي.
- المساعدة على انخفاض الأسعار لأن تكلفة الشحن إلى ميناء واحد مباشرة اقل من تكلفتها إلى ميناء قريب ومن ثم ميناء الدوحة.
- ازدياد حجم التجارة الدولية بين السوق القطري والعالم بسبب ارتفاع الطاقة الاستيعابية والقدرة على التصدير.
- دعم المخزون الاستراتيجي للدولة في المواد الأولية والغذائية والدوائية.
- خلق فرص عمل للشباب القطري والعمالة الماهرة مما يساهم في ارتفاع مستوى المعيشة.
- إتاحة الفرصة للاعتماد على التمويل الذاتي من رسوم الخدمات، كما هو الحال بالنسبة لمطار حمد الدولي وبالتالي تخفيف العبء على الميزانية، بل قد يتحول إلى مصدر للدخل.
ميناء حمد بهذا المعنى سوف يشكل إضافة هامة إلى موانئ الدولة، خاصة في الوقت الذي نسعى فيه إلى تنويع اقتصادنا وتعظيم الناتج المحلي من القطاعات المختلفة بعيداً عن النفط والغاز، ولخلق تنمية مستدامة للأجيال المقبلة. كما سيكون إنجازاً جديداً لصناعة النقل البحري في قطر.
كما سيكون عمل مطار حمد الدولي وميناء حمد، متناغمين مع مايجري تنفيذه حالياً من مناطق اقتصادية ولوجيستية في عدة مناطق بالدولة، والتي تم الأخذ بعين الاعتبار قربها من المطار والميناء الجديد.
بالإضافة إلى كل ذلك فإن استخدام الخبرات المتميزة والمتراكمة التي تكونت لدينا من فريق العمل، سوف تسمح لنا بإنشاء شركة موانئ عالمية نعبر من خلالها أعالي البحار ندير بها موانئ في مناطق ودول نرتبط معها بعلاقات سياسية وتجارية مميزة لتكون عنصرا فاعلا في تنويع مصادر الدخل للدولة، حتى لو كنا نتمتع بمركز مالي جيد اليوم.
إن التصنيف الائتماني للدولة عند AA، مع نظرة مستقبلية مستقرة بفضل قوة الأصول الحكومية، ومن ذلك أصول جهاز قطر للاستثمار، التي تكفي لتمويل عجز الموازنة الحالي لأكثر من عشرين عاماً، هو امر يحسب للقائمين على جهاز الاستثمار في تنويع مصادر الدخل، ويحسب لوزارة المالية ترشيد الانفاق ومتابعة اوجه الصرف، لكن ذلك لا يمنع من تحويل خبرة النجاح في إنجاز وإدارة مشروع عملاق مثل ميناء حمد إلى فكرة تجارية تضاف إلى جهاز قطر للاستثمار.
إن النجاح الحقيقي لابد أن يقوم على المعرفة وتراكم الخبرات، وإذا ماأخذنا ميناء حمد ومطار حمد الدولي بعين الاعتبار، فإن لدينا الكثير لنتحدث عنه، إذ يُشكل هذان المرفقان الحيويان أهم وسائل الاتصال بالعالم الخارجي، ومع وجود قاعدة اتصالات هي الأحدث في العالم، وقضاء عادل مستقل، فإن الحصيلة تبدو مواتية تماما، وهي تجعل قطر في مصاف الدول الجاذبة للاستثمارات بجدارة، وبالعودة للحديث عن ميناء حمد، وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن هذا المشروع يعد أحد أضخم مشاريع البنية التحتية الجاري تنفيذها بدولة قطر، ويقع على مساحة إجمالية قدرها 26 كيلو مترا مربعا إلى جانب مراكز الميناء الرئيسي، وتقدر تكلفة إنشائه ما يقرب من 27 مليار ريال.
يمتاز الميناء بخدمات مناولة بحرية وفق أحدث أساليب التكنولوجيا العالمية ومعايير الأمن والسلامة الدولية بفضل ما يتمتع به من أحدث الأنظمة والتكنولوجيات العالمية التي من شأنها تعزيز القدرة اللوجستية، ودعم تطوير الصناعة المحلية، وتحديث خدمات المناولة البحرية للواردات والصادرات، وزيادة حجم التجارة البحرية، وتعزيز نمو وتنوع الاقتصاد الوطني.
ومن المميزات الأخرى لميناء حمد أنه يرتبط بشبكة واسعة من الطرق السريعة والخارجية لضمان حرية الحركة للشاحنات في نقل البضائع طوال اليوم دون وجود أوقات حظر لسير الشاحنات كما هو معمول به داخل مدينة الدوحة.
إن إنشاء المنطقة الاقتصادية المتداخلة مع ميناء حمد سيقدم التسهيلات اللازمة لإنشاء صناعات تحويلية مما سيساهم بزيادة صادرات دولة قطر غير النفطية. وسيعمل الميناء من خلال المنطقة اللوجستية المتكاملة على ربط قطر بشبكة السكك الحديدية للشحن بدول مجلس التعاون وأما شبكة الطرق السريعة التي يتم إنشاؤها فستعمل على خفض تكلفة نقل البضائع مما سيجعل من دولة قطر مركزاً إقليمياً للشحن.
تكلمت ببعض الاسهاب عن هذا المشروع لعلمي التام ان اكتماله سيحدث نقلة نوعية في الاقتصاد المحلي، لذلك فالشكر واجب في هذا المقام لسعادة السيد جاسم بن سيف السليطي وزير المواصلات والاتصالات ورئيس لجنة تسيير مشروع ميناء حمد، لما بذله ويبذله من جهود كبيرة منذ توليه حقيبة المواصلات والاتصالات، ونلمس جميعاً نشاطه اللافت في هذا الإطار، وكذلك لعلمي أن هذا المشروع الأول والوحيد حتى الأن في الدولة الذي تم تشغيله قبل موعده المحدد وبتكلفة أقل من الميزانية المرصودة.
وهنا يكون التساؤل المهم هو لماذا وكيف حدث ذلك؟
بقلم : عبدالرحمن القحطاني
مساعد رئيس التحرير
copy short url   نسخ
25/09/2016
8123