+ A
A -


تعتبر أوزبكستان ثالث كبرى دول آسيا الوسطى من حيث المساحة، والأكبر من حيث عدد السكان، والثانية من حيث مجموع الناتج المحلي الإجمالي.. هذا البلد ذو الموقع الاستراتيجي والغني بالموارد المعدنية والثاني على مستوى العام في تصدير القطن ينتظره اليوم مستقبل مجهول من بعد الرحيل المفاجئ لزعيمه «الأوحد» إسلام كريموف، الذي لم يعرف الأوزبكيون رئيساً سواه منذ انفصال بلادهم عن السوفيات.
نعم، لقد أسس كريموف نظاماً ديكتاتورياً منيعاً منذ 27 عاماً، وقمع المعارضة، وكمم أفواه وسائل الإعلام، وخرق نصوص الدستور بالتجديد لنفسه مراراً، وأرسى ظاهرة عبادة الشخصية، واتهم مراراً بتزوير الانتخابات.. لكنه من جهة أخرى ترك خلفه بلداً مستقراً واقتصاداً ينمو باطراد، وشعباً ينعم بشيء من الرفاهية. وبعبارة أخرى فإن النهج الذي خطه في إدارة أوزبكستان هو الذي انقذها من الفوضى والقلاقل التي حاولت الجماعات الإرهابية المتطرفة المتسربة من طاجيكستان وأفغانستان زرعها، وهو أيضاً الذي حقق لها تنمية اقتصادية مشهودة حسدتها عليها جاراتها في وسط آسيا.. ودليلنا على الجزئية الأخيرة هو إشادة صندوق النقد الدولي باستراتيجية التنمية والتجديد التي تبناها كريموف، والطريقة الصحيحة التي تعامل بها مع الأزمة المالية العالمية ما بين 2009 و2012، الأمر الذي زاد معه حجم الاقتصاد الوطني بنسبة 40 % وحجم الناتج المحلي بنسبة 7 %، إضافة إلى محافظة البلاد على فائض في الميزانية ودين عام منخفض وسعر عملة مستقر، وسياسات مصرفية وائتمانية رشيدة.. إلى ذلك فقد شهد عهد كريموف تنفيذ العديد من مشاريع النقل والمواصلات الحديثة، وتوسيع طاقات الإنتاج في صناعات الحديد والصلب والطاقة والسيارات والجرارات والطائرات والإلكترونيات ومواد البناء والصناعات الكيماوية والدوائية والغذائية.
ومما يحسب أيضا للديكتاتور الراحل أنه أجاد بمهارة استثمار موقع بلاده الجيوسياسي، والتنافس الأميركي-الروسي- الصيني في منطقة آسيا الوسطى من أجل الاستمرار في السلطة والتهرب من الضغوط الغربية حول حقوق الإنسان والديمقراطية.. ويتجلى ذلك في سياساته الخارجية ومواقفه المتغيرة تجاه اللاعبين الكبار.. فهو سارع للتحالف مع واشنطن في حملة الأخيرة ضد الإرهاب بعيد هجمات 11 سبتمبر عبر منحها قاعدة جوية على الأراضي الأوزبكية، فإنه أمر بإغلاق تلك القاعدة في 2005 واتهم واشنطن بالتدخل في شؤون بلاده بعد مطالبة الأميركيين له بإجراء إصلاحات سياسية. كما أن ارتباطه بعلاقات جيدة مع موسكو ساهمت في إسقاط الأخيرة لديونها المستحقة على طشقند بمبلغ 865 مليون دولار في 2004، فإنه لم يمنعه من إبقاء بلاده خارج التجمعات التي تشكلت من الجمهوريات السوفياتية السابقة بقيادة موسكو مثل «منظمة معاهدة الأمن الجماعي».. ومن جهة أخرى استغل تنافس واشنطن وبكين في آسيا الوسطى معطوفاً على هواجس بكين من إرهاب الانفصاليين الإيغور، الذين يوجد الكثير منهم في أوزبكستان، في تعزيز موقع بلاده كشريك تجاري رئيسي للصين وحليف لها في محاربة الإرهاب.. بل إن الصينيين وجدوا فيه أيضا حليفاً يردد خطاباً مشابهاً لخطابهم إلى الغرب حول مسائل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. وبعيداً عن علاقاته مع الأقطاب العالمية الكبيرة عرف كريموف كيف ينسج روابط قوية مع معظم الدول الغنية، وهو ما ساعد أوزبكستان على التحول إلى دولة جاذبة للاستثمارات من الصين وكوريا الجنوبية واليابان ودول الخليج العربية، بدليل تنفيذ مشاريع استثمارية بلغت قيمتها الإجمالية 3 مليارات دولار في عام 2010 وحده.
لكل هذا لم يكن غريباً ظهور الكثيرين من الأوزبك على شاشات التلفزة وهم يجهشون بالبكاء بمجرد سماعهم نبأ رحيل رئيسهم «الديكتاتور».. أما من لم يبك منهم فقد بدا خائفاً من المجهول، خصوصاً في ظل عدم تسمية كريموف لشخص يخلفه، واحتمال أن تنتهز «الحركة الإسلامية الأوزبكية»، الفرصة لتهديد استقرار البلاد بعدما قويت شوكتها بتحالفها مع تنظيم داعش.
فلبعض الوقت اعتقد الكثيرون أن ابنة كريموف الكبرى «غولنار» هي التي سترثه في الحكم، لكن الأخيرة تورطت في قضايا فساد وإتجار بالبشر اضطر معها والدها إلى إبعادها عن المشهد.. أما ابنته الصغرى «لولا» التي تتولى حالياً تمثيل بلادها لدى منظمة اليونيسكو فقد أعربت مراراً عن عدم رغبتها بالمناصب العامة وتفضيلها التركيز على أسرتها.. ورئيس مجلس الشيوخ «نعمة الله يولداشيف» الذي يتولى الحكم الآن مؤقتاً كما ينص الدستور فهو شخصية غير معروفة ولا نفوذ لها.. وعليه فإن المراقبين يحصرون خلافة كريموف في ثلاث شخصيات رئيسية هي: شوكت ميرزاييف، رئيس الوزراء منذ 2003، ورستم عظيموف، نائب رئيس الوزراء ووزير المالية، ورستم اينوياتوف، رئيس جهاز الأمن الأوزبكي منذ 20 عاماً.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
25/09/2016
2568