+ A
A -
«أكثر من عشرة أعوام مرت على معركة معكال كفيلة بخفوت الضغائن»

في فضاء يمتد من ملعب الحارة الصغير والمشحون بالقهر والترقب والأفكار؛ الملعب الذي يولد فيه الموهوب الأول، والطاغية الأول، والمقهور الأول، والمُستبعد الأول.. الملعب الذي يمتلك أعرافه الخاصة بالصراع وأصول التقسمية والشرف.. إلى ملاعب أكبر؛ غاصة بالجماهير والأهازيج والمؤازرة، وأنواع أخرى وأكثر تطورا من الصراع والشراسة، والخيانة، والانتقام، مرورا بطيف ناعم ورقيق لتنوعات حياتية وخبرات وتجارب ثقافية واجتماعية.. البيت، الفصل، الحي، التنقلات، تحركت شخوص وأبطال رواية الكاتب السعودي سعيد الأحمد «رباط صليبي» والصادرة عن دار مدراك هذا العام 2016.. وفي هذه المساحة التي لم تمس ولم يتم توظيفها مسبقا- وياللغرابة- في أعمال روائية، تحرك الكاتب سعيد الأحمد بحرفنة ورشاقة لاعب كرة متمرس، ناقلا ومطورا أفكار وصراعات أبطاله.. أحلامهم ودوافعهم.. التربية التي تحصلوا عليها في المنزل وفي فناء المدرسة وفي ملعب الحي، التي استقوها من أفواه الآباء والأمهات والمدربين والأنداد، من الكتب والأغاني والمؤامرات، أبطال لا تستطيع محبتهم إلى النهاية، ولا كرههم أيضا، وهنا من وجهة نظري المنطقة الأكثر تميزا في الرواية، ذلك التطور النفسي الذي يحدث لأبطال الرواية، والذي يربك أحكامك الخاصة تجاههم، فمثلا.. عبيد المطرقة، الذي قال كلمة واحدة خلال كامل العمل الروائي، لكنه ظل مسيطرا وحاضرا ومهيمنا، ويصيبك بالشك حول أحكامك التي تهم باتخاذها أثناء القراءة، هذا الشرس والواضح مثل سكين، يدهشك في لقطة خروجه من القصة بذلك الشكل النبيل والشجاع، وخالد السعيد الذي يتم القص على لسانه كراوٍ للحكاية، لا يدعك تحتار وحدك، بل هو في النهاية من تصيبه الحيرة حول مجمل قراراته ومواقفه متسائلا عن دوافعها الأخلاقية، ومشككا في مدى نزاهتها، هو الذي كان زعيما وقائدا وملهما طوال هذه الحكاية.. وكذلك الحال مع بقية الشخوص والأبطال..

ومثلما اكتشف معلم الموسيقى جوزيف كنخت، وأمده بالنصائح، في رواية هيرمان هسة «لعبة الكرات الزجاجية»، كذلك فعل جسار مع خالد السعد وبقية الصبية في لعبة كرة القدم.. تلك النصائح والأفكار التي وظفوها لاحقا في ملعب الكرة الأكبر، ملعب الحياة الكبير. استخدمت الرواية فضاء وملعب كرة القدم لتخبرنا عن أمور لا تنطبق فقط على هذا الفضاء وحسب، وعندما اختار المؤلف هذا الاقتباس من سارتر «كرة القدم هي اللعبة التي تختصر الحياة بكل تعقيداتها وقوانينها» إنما كان يحاول وضعنا برفق على الطريق الذي اختار أن يسير بنا فيه. وفي تقطيع رائع ومشوق وتلاعب في التسلسل الزمني للأحداث استمرت الرواية في إلقاء الضوء بالتدريج على منطقة حكائية خصبة ومستقرة في وجدان الكثير من أبناء هذه المنطقة الذين بالتأكيد اختبروا كثيرا مما حدث مع شخوص هذه الرواية، وهذا أمر ربما يضفي مزيدا من الحميمية عند قراءة هذا العمل..

رواية قصيرة وممتعة وتتيح إمكانية قراءتها على أكثر من مستوى.
copy short url   نسخ
20/03/2016
1940