+ A
A -
أنا صديق القهوة، ومأسور رائحتها، ومدمن ذكرياتها، وقارئ تفاصيلها. ما زلت أحبها مُرّة، حتى لا أشوّه حقيقتها الخالصة بزيف السكّر، وما زلت أحبها سوداء لأنها لا تكون بكامل أناقتها إلاّ اذا تطرفت بالسواد المتطرف، وما زلت أشربها مبكراً جداً، لأني لا أشعر بلذة أي شيء له لذة، إلاّ إن كان مبتدأهُ البن وخبرهُ الكافيين!
لكل شعبٍ وأرضٍ طقوس وقصص وحكايات مع القهوة، وكأن البشرية التي اتفقت على حب القهوة اتفقت أيضاً على الاختلاف في تفاصيل التعاطي مع هذا الكائن المزاجي الرائع. ولعلنا نحن أبناء الجزيرة العربية من أكثر الشعوب تقديساً للقهوة، فللقهوة في جزيرة العرب ما يملأ الدنيا ويشغل الناس بالحكايات والشعر والنوادر وما زلت أذكر أول بيتٍ قرأته في حياتي «يا ما حلا الفنجال معْ سيحة البال- في مجلسٍ ما فيه نفسٍ ثقيلة»! ما زلت أذكره وأذاكره في كل موقفٍ أجد نفسي فيه مع قهوة أو موقف أجد نفسي فيه مع «نفسٍ ثقيلةٍ». ففي هذا البيت الخالد نجد أن راكان بن حلثين يجعل القهوة في موقع البداية لراحة البال التي لا تكتمل إلا «في مجلسٍ ما فيه نفس ثقيلة»!
وكما هو معلوم، فإن من أعظم العقوبات الاجتماعية لمجتمع عرب شبه الجزيرة، عقوبة عدم تقديم القهوة للشخص المعاقب، وبذلك يدخل في مسمّى «امعقّب الفنجال» وهو مسمّى لا يُحسد صاحبه عليه! وأرى أن العرب أنصفوا المرجلة في هذه العقوبة، فهذه الشقراء الفاتنة لا يستحق عناقها رجلٌ رديء.
ياخذني البنّ الأسود لأبيض أيامي
واشوف وجهك حلو في قهوتي المرّة!

بقلم : صلاح العرجاني
copy short url   نسخ
23/09/2016
9947