+ A
A -
رسم خطاب حضرة صاحب السمو، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، حفظه الله، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بجرأة وشفافية ووضوح، المعالم الأساسية لما تعاني منه المجتمعات الإنسانية اليوم، في وقت يبحث العالم فيه عن أدوات كفيلة بتفادي الأزمات وإيجاد حلول لها.
وبكلمات واضحة محددة وصريحة، تتسق مع أسس العدالة التي تمتعت بها الفطرة البشرية منذ بدء الخليقة، لامس سموه تطلعات مختلف الدول والمؤسسات الفاعلة حول العالم، وأكد أن العودة إلى مرجعية الأمم المتحدة ليست ضرورية، فقط، لحل أزمات مستعصية مثل أزمات الشرق الأوسط، ولكنها حيوية أيضاً لتحقيق آمال لا يمكن بلوغها إلا بتوافق دولي شرعي داخل نظام متفق عليه، منتقدا في هذا الصدد انتقائية مجلس الأمن.
جاء الخطاب شاملا، ووضع الإصبع على الجرح النازف في منطقتنا، فيما يتعلق بكافة القضايا والأحداث المؤلمة التي تدور من حولنا، وأعاد إلى أذهان الحضور حقيقة أن المظلمة الكبرى في فلسطين مازالت تشكل الجرح الأكبر والأخطر، الذي تفتقت منه كل جروح المنطقة.
خطاب حضرة صاحب السمو، أمير البلاد المفدى، كان خطابا مميزا، ينم عن رؤية عميقة وتحليل سليم لمختلف القضايا والأوضاع، وبالتالي فإن سموه أشار بالإصبع إلى الداء وشخَّصه، ثم وصف الدواء، بحكمة معهودة في تناول كافة القضايا السياسية.
كان خطابا حكيما وصريحا، تناول أهم وأصعب القضايا الإقليمية التي تؤرق العالم، كالصراع العربي– الإسرائيلي، والحروب الأهلية، وتفشي الإرهاب، وغيرها من المسائل التي عجز المجتمع الدولي عن حلها لأسباب عديدة، كما جاء الخطاب ترسيخا للقيم والأهداف الإنسانية، ليس من باب تسجيل موقف، وإنما من باب العمل الدؤوب في سبيل إيجاد حلول عادلة ودائمة، من شأنها وحدها تحقيق الأمن والاستقرار ودفع عملية التنمية، وهو ما دأبت عليه قطر، في كل مناسبة.
إن تشخيص حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى للمشكلات، ثم طرح العلاج لها، هو في حد ذاته خطوة جريئة جدا، وهذا هو العهد دائما بصاحب السمو وخطاباته التي تتسم بالمصارحة والمكاشفة، والتي نأمل أن تساعد المجتمع الدولي في بحثه عن حلول حقيقية للمشكلات التي تؤرق العالم اليوم.
لقد تناول سموه القضايا المتأزمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما تعرض للمشاكل الإنسانية التي تحظى بالأولوية في مجال السياسة الدولية، وتلك القضايا تحتاج لعلاج عاجل، ومنها القضيتان، السورية واليمنية، بالإضافة إلى قضية الإرهاب التي تعد من أكبر التحديات التي تواجه الأسرة الدولية اليوم، كما اتسمت كلمته بتغليب لغة الحوار وسياسة الوسائل السلمية في حلحلة الأمور والقضايا الشائكة، ولفت إلى أنّ غياب التوافق الدولي هو سبب رئيسي في عدم إيجاد حل للقضايا العربية العالقة.
خطاب صاحب السمو حاكى وجع الأمّة العربية بشكل عام، ووجع فلسطين وسوريا بشكل خاص، وأثبت، مرة أخرى، مدى التصاق قطر بقضايا الأمّة، وما تبذله من أجل هذه الأمة، حيث قضية فلسطين هي قضية محورية بالنسبة لقطر التي لطالما قدّمت كلّ دعم ممكن للشعب الفلسطيني، والخطاب نابع أساسا من التزام قطر الدائم بدعم القضية والشعب الفلسطيني، مع التأكيد على حل الدولتين، وقيام الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس، وحماية الأماكن المقدسة، والدعم الدائم للشعب الفلسطيني من خلال تقديم المعونات القطرية في المحن الكثيرة.
وكما أشار سموه، فإنه بعد مرور أكثر من سبعة عقود على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، لا تزال القضية الفلسطينية تنتظر الحل العادل، ولا تكتفي حكومة إسرائيل برفض قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام الشامل العربية، بل تعمل على فرض سياسة الأمر الواقع عبر خطط استيطانية طويلة المدى في الضفة الغربية والقدس، وتقيم احتلالها على التمييز والفصل العنصري، إذ تنشئ نظامين حقوقيين في ظل سيادتها، واحد للمحتلين وواحد للواقعين تحت الاحتلال.
وفي ظل صمت العالم، وانشغال الدول العربية بقضاياها الراهنة، قد يعتقد قادة إسرائيل أنهم نجحوا في سعيهم، والحقيقة أنهم فشلوا في حل أي قضية.
لقد تناول الخطاب العديد من الملفات والقضايا المهمة، إقليميا ودوليا، وإذا كانت القضية الفلسطينية قد تصدرت هذا الخطاب، كما في كل خطابات سموه، فإن ما تتعرض له سوريا استحوذ على جانب مهم أيضا، حيث تحول الصراع في هذا البلد إلى حرب إبادة وتهجير جماعي للسكان، ومازال النظام السوري يرتكب جرائم بحق شعبه، مستغلاً تقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ القرارات والتدابير اللازمة لإنهاء هذه الأزمة الخطيرة، مشيرا في هذا الصدد إلى تقاعس دولي عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن، حيث لم يعد ممكنا تجاهل الضعف في النظام القانوني والمؤسسي لمنظمة الأمم المتحدة، وعجزها في كثير من الحالات عن تطبيق معايير العدالة والإنصاف في آليات عملها.
لقد أشار سموه، بوضوح، لعمليات القتل التي تعرض لها الشعب السوري في مظاهرات سلمية، وما كابده من تعذيب في السجون طوال عام، من بداية ثورته دون أن يدافع عن نفسه.
خلال هذه الفترة حاول النظام السوري جر الثورة إلى العنف بشكل مدروس، كما عمل، عبر خطاب سياسي موجه، على شق الشعب السوري إلى طوائف، وكان الشعب يرد بالهتاف «واحد، الشعب السوري واحد»، وكان شعار النظام المعلن «الأسد أو نحرق البلد»، وربما لم يدرك كثيرون أن هذا الشعار هو في الواقع مشروع النظام وبرنامجه الوحيد والحصري.
وفي موضوع الإرهاب أوضح صاحب السمو أن التعامل بمعايير مزدوجة مع هذه الظاهرة، أو ربطها بدين أو ثقافة بعينها، أو إعفاء الحكومات التي ينطبق على سياستها وصف الإرهاب من هذه التهمة، يعقد الجهود لاستئصال الظاهرة، ويقوي الذرائع التي يستخدمها الإرهابيون.
ما قاله صاحب السمو مدعاة لفخرنا وفخر كل عربي وكل مسلم وكل إنسان، مهما كانت جنسيته أو عرقه أو دينه أو مذهبه، فهو لامس هواجس الجميع، وعبر عنها واقترح لها الحلول، لذلك لم يكن غريبا أن تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بما ورد في الخطاب السامي، من أجل عالم أكثر أمنا واستقرارا وسلاما، شريطة أن يدرك المجتمع الدولي أن الوقت حان لإزالة بؤر التوتر، ومنح الشعوب ما تستحقه، وما هي جديرة به.

بقلم : عبدالرحمن القحطاني
copy short url   نسخ
22/09/2016
5540