+ A
A -

تكاد تمر السنة الثالثة ولبنان من دون رئيس للجمهورية والفوضى الحكومية العارمة تغمر كل شيء والثرثرة السياسية تتصدر واجهة الحدث، فتستنفر العقول والنفوس وتشغل البال متابعة وتحليلا وتأويلا وانقساما. وكلما اشتدت الأزمة في الاقليم تتراجع لدى السياسيين اللبنانيين القضايا الكبرى إلى المؤخرة وتتقدم فتات الصغائر إلى الامام. في السياسة اللبنانية، التكتيكات القاتلة تلغى استراتيجيات المصير، ولاشيء يعلو فوق صوت التفاصيل المملة فالانجذاب دائما نحو ملفات الزوايا والزواريب، بينما الاحجام عن قضايا الوطن هائل.
الدافع إلى هذا المدخل، هو الاعلان عن الاتفاق الاميركي- الروسي حول سوريا، بغض النظر عن التطورات التي قد يحملها هذا التطور نجاحا أو اخفاقا خصوصا ان الامر يتصل بتسوية شديدة التعقيد تحمل في طيات تفاصيلها افخاخ اسقاطها في المهد اكثر بكثير من عوامل اقلاعها. فلبنان الصغير كغيره من دول الجوار والمنطقة عليه ان يتساءل ما اذا كان هذا الاتفاق جرس انذار بان زمن التسويات الكبرى في المنطقة بدأ يطلق اشاراته؟ وما اذا هذا التطور يمكن ان يرفد الواقع السياسي اللبناني بجرعة انعاش عاجلة تعيده إلى إلى المسار الصواب؟
ما يخيفنا في تزامن اعلان هذا الاتفاق مع تقهقر الواقع السياسي عندنا إلى حدود تلاشي آخر سلطة مركزية هو ان نستفيق يوما على منطقة ذاهبة إلى تسويات وصفقات كبرى قد يكون فيها الكثير مما يعنينا ولا نجد عندنا سلطة ولا حكما بالحد الادنى لتحصيل مصالح لبنان واللبنانيين.
وبغض النظر عن طبيعة الاتفاق وما يحويه وحظوظ نجاحه من عدمها، فلنا كلبنانيين مصلحة في ان تنضج تسوية تضع حدا لاشرس حرب دمرت سوريا وجعلت من مدنها وقراها ساحات لابشع المجازر ضد الإنسانية. وقد كان نصيب لبنان منها تحوله ارض لجوء لاكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري، ناهيك عن التداعيات الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي هذا البلد الصغير بانهيارات لم يشهد مثيلا لها حتى في اعتى حروبه الاهلية.
لبنان يمشي اليوم كضرير من دون عصا اشعار أو مرافق وسط طريق مليء بالحفر والافخاخ، فالرعاية الدولية التي حمته من انتقال نار الفتن عبر الحدود إلى ارضه تكاد مظلتها الأمنية تهترىء بفعل الرياح والعواصف العاتية التي تضرب المنطقة، والاخوة العربية التي اعادت بث الحياة في شرايينه في الطائف مرة وفي الدوحة مرة اخرى عمد بعض اللبنانيين المتموضعين في صراع المعسكرات الاقليمية إلى رفع ستار حديد بينها وبينه، فماذا تراه يفعل لبنان في حالته الدراماتيكية الحالية في انتظار ما يرسم لسوريا؟ وماذا لو انطلق قطار الصفقات الكبرى وليس للبنان رئيس أو الحد الادنى من دولة تمثله وقادرة على حفظ مصالحه أو على الاقل حمايته من الارتدادات السلبية لبعض المسارات الجديدة؟ وماذا يكون عليه الامر اذا ما غيب عن طاولة الحل والتسويات والصفقات الكبرى أصحاب الحقوق المتصلة بالويل السوري كمسألة اللاجئين؟ وهل في استطاعة لبنان المشتعل بالحسابات الطائفية الحساسة والدقيقة ان يتحمل وحيدا وزر تغيير ديموغرافي جديد؟ لن يكون لبنان طبعا حول الطاولة ولن يؤخذ برأيه، ولكن الأخطر ان يكون عرضة للامحاء عن كل الخرائط والطاولات اذا ما استمرت الثرثرة اللبنانية على ضفاف الحل.
بقلم : امين قمورية
copy short url   نسخ
21/09/2016
2713