+ A
A -

أـضحى «النموذج الصيني» في التنمية يستهوي كثيرين. تتحرك الصين ومنذ عقود بخطى ثابتة، لتصبح الدولة الأغنى والأقوى بعد عقدين. الأميركيون يعتقدون أن الصين ستتفوق على بلادهم عام 2035. تجربة الصين من التجارب التي تستثير الفضول. من الصعب أن يتخذ أي متابع للشأن الصيني موقفاً وسطاً إزاء الصين.
إذ هي تجربة أضحت تفرض نفسها بل خرجت من حدودها لتعرض نفسها، لذلك هي تجربة إما أن تتعصب لها أو أن تتعصب ضدها. والمفارقة أنه في الحالتين يبدو الموقف متسقاً مع حقائق الأشياء.
المبهورون بالنموذج الصيني يقولون إن هذا النموذج حقق الكثير داخلياً وخارجياً إلى الحد الذي أغرقت فيه السلع الصينية الأسواق الأوروبية والأميركية وبلغ الأمر حداً جعل الأميركيين يتخلون طواعية عن تصنيع الكثير في مجال التكنولوجيا الحديثة.
هذه حقيقة..
المنتقدون للتجربة الصينية خاصة في الغرب يعتقدون أن أي تنمية لابد أن تتلازم مع الحريات ويرون أن الصين هي من أكثر الدول انتهاكاً لحقوق الإنسان وقمعاً لحرية التعبير.
وتلك حقيقة أيضاً..
لم تبدأ التجربة الصينية الحقيقية في العقود الأخيرة بل كان ذلك منذ عهد ماوتسي تونغ.
كان «ماو» قادراً على مخاطبة أعظم العقول من المفكرين وأبسط العقول حتى لو كانوا من الفلاحين البسطاء في الحالتين ظل «ماو» على مستواه الفكري الملفت.
صنع «ماو» الصين المناوئة للغرب وركز من جاؤوا بعده أن تكون بلادهم «دولة عظمى» في مجال التنمية والتصنيع.
أتذكر خلال مؤتمر «السياسة العالمية» وكان قد انعقد في مراكش، طغى موضوع الصين على أشغال المؤتمر.
يومها أثارت مداخلة فو يونغ، نائبة وزير الخارجية الصيني، دوياً. حيث فندت، بلغة إنجليزية فاخرة، الانتقادات التي يوجهها الغرب إلى الصين.
قالت مشددة على كلماتها: «لا نرغب أن نصبح قوة كبرى، وما يهمنا هو فقط تحسين حياتنا».
يومها عقب الأستاذ الأميركي تيودور موران، المتخصص في الشؤون الصينية بجامعة «جورج تاون» في واشنطن قائلاً: «الصين ستصبح القوة الكبرى بعد أقل من عقدين».
قال موران، في مداخلة أمام المؤتمر حول الوجود الصيني في إفريقيا: «بكين تزحف بهدوء للسيطرة الكاملة على القارة السمراء، والقوى الأوروبية التقليدية ستخرج من هناك في فترة لن تتجاوز عقداً واحداً».
أصبحت هذه التوقعات قريبة من التحقق على الأقل من وجهة نظر الغربيين الذين تحمسوا لعقد لقاء بين اليابان والدول الإفريقية الشهر الماضي في العاصمة الأوغندية نيروبي لتقديم نموذج يضاهي النموذج الصيني.
خلال مؤتمر «السياسة العالمية» قالت فو يونغ كذلك، في معرض نقدها لفكرة أن الصين تسعى لأن تصبح القوة الكبرى في العالم: «78 في المائة من الناس في الصين يعتقدون أن بلدهم مجرد بلدٍ نام». وعززت فكرتها قائلة: «لدينا ستة ملايين خريج جامعي يبحثون عن عمل في الصين، ونصف السكان يعيشون في الأرياف».
وزادت: «يقولون عندما تشتري الصين ترتفع الأسعار، وعندما تبيع تنخفض الأسعار. هذه فكرة مشوشة». مشيرة إلى أن الغرب يركز على مسألة حقوق الإنسان في الصين، لكنه يعتمد على معايير خاطئة، لأنه يخلط في كثير من الأحيان بين الجريمة والإضرار بالمجتمع وحقوق التعبير.
ومضت فو يونغ تقول: «إذا كنت صينياً وتتابع التقارير حول الصين ستشعر بالإحباط، لأن الصين تبدو في يوم جيدة وفي يوم آخر سيئة للغاية».
المؤكد أن الصينيين لا يكترثون لموضوع حقوق الإنسان. لذلك قالت فو يونغ: نحن ننزل عقوبة الإعدام بالفاسدين سواء كان صغاراً أو كباراً، والغرب لا يقبل هذا الأسلوب.
تأملوا هذا القول لتفهموا «التجربة الصينية».
الثابت أن التجربة الصينية غير قابلة للنسخ.
أختم بواقعة..
عندما كان الصينيون يشيدون أكبر سد مائي لإنتاج الكهرباء في منطقة مروي بشمال السودان بتمويل عربي سخي توقع سكان المنطقة أن يوفر لهم المشروع آلاف الوظائف بيد أن هذه التوقعات تبددت عندما أحضر الصينيون «سجناء» من الصين للعمل في بناء السد والمقابل خفض سنوات سجنهم.
واقعة تلخص «التجربة الصينية».
بقلم : طلحة جبريل
copy short url   نسخ
17/09/2016
2668