+ A
A -
الدخان الأبيض الذي كان ينتظره العالم في هانغتشو إيذانا باتفاق روسي أميركي على تفاهم في شأن سوريا يمهد لعملية التسوية، لم يخرج من المدينة الصينية. كان لابد من الانتظار بضعة أيام حتى تكتمل صفقة ليل الجمعة بين لافروف وكيري في مدينة جنيف السويسرية. ولاح التفاهم بين الدولتين الكبيرتين في نهاية المفاوضات الماراثونية بين الوزيرين. وخرج إلى العلن اتفاق على الحد الأدنى إيجابيته الوحيدة أن جهود التسوية لا تزال قائمة رغم جبل المشكلات، وأن الخرق الدبلوماسي لا يزال ممكنا.
شكل الاتفاق فرصة أمل لأن هناك حاجة إلى التفاؤل مردها حجم الكارثة التي ضربت سوريا نتيجة هذا النزاع، وصعوبة بقاء سوريا دولة واحدة متماسكة، بعد كل معركة من المعارك وما تؤدي إليه من تهجير سكاني بلون طائفي ومذهبي. تهجير لا يمكن أن ينجم عنه سوى إعادة رسم الخريطة السورية، بحيث تصبح أكثر تجانساً من الناحية الطائفية، وأقل تعايشاً من الناحية الوطنية.. لكن سوريا وأهلها جعلتهما التجارب الفاشلة السابقة شكاكين إلى حد أن البعض سارع إلى نعي الاتفاق سلفا، فهو جاء نتيجة عملية ابتزاز متبادلة بين الروس والأميركيين. وعلى رغم أنه يحمل جدولاً زمنياً واضحاً وصارماً، فإنه يفتقد إلى آليات الضبط والرقابة لتطبيقه، وهي نقطة ضعفه الرئيسة. كما أنه هو لا يتضمن حتى الآن أي شق سياسي من شأنه أن يؤدي إلى تغيير النظام أصل العلة والمشكلة في سوريا خصوصاً أن نتائج كل المفاوضات سترفع إلى مجلس الأمن لإقراره قبل البدء بتطبيقه. أما عملية «الانتقال السياسي» في سوريا الورادة في متنه فصارت عبارة غامضة يفسرها كل طرف في النزاع على هواه. النظام يفهم الانتقال حكومة موسّعة تضم من يختارهم بشار الأسد ويضمن ولاءهم من المعارضة. والمعارضة من جانبها، تفهم الانتقال انتقالاً من مرحلة إلى مرحلة، أي من حكم بشار الأسد إلى ما بعد هذا الحكم، بنتيجة عملية ديمقراطية يختار فيها السوريون من يحكمهم في المرحلة المقبلة.
أيضا الاتفاق الثنائي لا يأخذ في الاعتبار أن هناك أطرافاً إقليمية أخرى في الأزمة السورية، لم تكن موجودة على طاولة جنيف. وهؤلاء قد يجدون أن الثمن الذي يريدونه للسير في الحل، ليس مضموناً بنتيجة صفقة جنيف، لذا فإن خيارات العرقلة تظل واردة في أجندتهم. والتدخل الخارجي قد يزداد بعدما فتح الخطر الإرهابي الباب لكل راغب في التصعيد بحجة المشاركة في مكافحته.
الأهم أن النافذة تضيق لإنجاز حل قبل نهاية ولاية إدارة أوباما التي باتت الطرف الوحيد في واشنطن الراغب بالتوصل إلى صفقة مع موسكو، بعدما باتت دوائر أميركية كثيرة معاديةً تماماً للروس. أوباما من جانبه، وإن كان يسعى بجد لإنجاز حل للأزمة السورية، فإنه لم يعد قادرا على تغيير صورته السورية كعنوان للخيبات. أما بوتين ووزيره لافروف فإنهما أظهرا أنهما الأمهر في تعميم الالتباسات والالتفافات. وقف النار ليس سهل في سوريا. ولا فرز المعارضة. ولا الانتقال السياسي. الشكوك عميقة بين طرفي الاتفاق، وبين كل المتحاربين على الأرض، وبين القوى الإقليمية التي يزداد صخبها.. والطريق إلى سوريا الجديدة لايزال معبدا بالأحزان.

بقلم : امين قمورية
copy short url   نسخ
14/09/2016
2540