+ A
A -
مشهد يتكرر منذ نحو خمس سنوات أمام أنظار العالم ومسامعهم، على شاشات التلفزة وعلى صفحات الجرائد وعبر الراديوهات، ومؤخراً أصبح أسبوعياً إن لم نقل شبه يومي لدرجة أنه بات ممجوجاً، في الشكل والمضمون. إنه مشهد لقاءات وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا، أي الثنائي جون كيري وسيرغي لافروف.. يجتمعان في جنيف أم في موسكو أو في فيينا أو في نيويورك أو في أي عاصمة أخرى على هامش لقاء أوسع لوزراء خارجية مجموعة دول كبرى أو صناعية، أو خلال قمة مجموعة «العشرين» التي انعقدت الأسبوع الماضي في مدينة هانغتشو الصينية.
وماذا يبحثان؟ «الحرب في سوريا وكيفية تخفيف العنف والتوصل إلى هدنة وتوسيع إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري والمضي في سبيل حل سياسي لإنهاء الحرب الأهلية».. وهو التصريح- اللازمة الذي يتكرر بعد كل لقاء، والذي يتبعه تهدئة أو تصعيداً في القتال أو حتى لا شيء بحسب النوايا الفعلية أو القرارات المضمرة التي تطبخ وراء الكواليس في تلك اللحظة.. يكرر الرجلان نفسيهما، بأسلوب روتيني ورتيب وبـ«كثير من الدبلوماسية» ما يجعله مملاً.. وفيما يُظهر لافروف وجه الروسي البارد والقاسي، وأحياناً الصلف، مع ضحكة صفراوية، يسترسل كيري في ابتسامته المعهودة ويكثر من تصريحاته، كتعبير عن تفاؤل مفرط لا يفارقه لدرجة يبدو معها أحيانا انه يعتقد فعلا إن ما اتفق عليه مع نظيره الروسي سيدخل فوراً حيز التنفيذ.. فيما يستمر الشعب السوري في معاناته يرزح تحت براميل الأسد المتفجرة وقذائف وصواريخ المقاتلات الروسية.
على مدى أعوام الحرب الخمسة، توالت على سوريا أكثر من خمسة عشرة «مبادرة سلام»، بما فيها خطة أول مبعوث كوفي انان، وبعدها خطة الأخضر الإبراهيمي، ثم مؤتمرات جنيف و.. و.. ثم «عملية فيينا»، تلتها «المبادرة الرباعية»، وقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، فضلاً عن ستة بيانات صادرة عن رئاسة هذا المجلس، وما زالت الأزمة تراوح مكانها، لا بل تزداد مأساوية فاق ضحاياها المائتي ألف سوري ونازحوها الخمسة ملايين. ومازالت الإدارة الأميركية متمسكة بمقولة «الدبلوماسية هي الطريق الوحيد لإنهاء الحرب في سوريا»، فيما يمارس الكرملين «الدبلوماسية العسكرية» محاولاً عبر سلاح الجو الروسي فرض الحل الذي يريد، بموافقة أو بتوريط واشنطن العاجزة عن لعب أي دور يتخطى «الدبلوماسية الكلامية».
يمارس فلاديمير بوتين سياسة «القضم» العسكري والدبلوماسي على الأرض السورية، التي تحولت مع الأسف إلى مسرح عمليات لصراع الكبار ومصالحهم.. يقود العمليات العسكرية من الجو موظفاً جيش الأسد وميليشيات إيران اللبنانية («حزب الله») والعراقية والأفغانية، وكذلك «الحرس الثوري» الإيراني نفسه من أجل فرض شروطه للحل، على باراك أوباما المشغول في توضيب حقائبه من البيت الأبيض، وعلى الحلفاء على السواء لا فرق.. وإذا تعثر أو اضطر إلى الفرملة فإذا به يصبح السباق إلى التفاهم على وقف لإطلاق النار كما حصل في حلب مؤخراً عندما تمكنت المعارضة السورية من فك الحصار.. وفي الحالتين تبقى المبادرة في يده ويبقى سيد اللعبة.
وقبل أيام حفلت وسائل الإعلام بتباشير لقاء «الثنائي كيري-لافروف» الذي حصل في نهاية الأسبوع الماضي، وزفت لنا الخارجية الأميركية أنه «حقق تقدماً بشأن اقتراحات لوقف إطلاق النار في عموم سوريا، لكن التفاصيل الفنية لم تكتمل بعد، وليس من الواضح ما إذا كان التوصل لاتفاق نهائي ممكناً...». فلماذا وقف إطلاق النار الآن؟ وإذا كان وقفاً لإطلاق النار- وليس الأول طبعاً- يتطلب كل هذه المباحثات والمشاورات وكل هذا الجهد وكل هذا الوقت، فماذا الذي يتطلبه إذن إجاد حل «لإنهاء الحرب في سوريا»، وهي العبارة التي يختم الثنائي «كيري- لافروف» في كل مرة بياناتهما وتصريحاتهما بها؟
من الأفضل ربما لهما أن يعملا بصمت ويحتجبا عن الشاشات!

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
13/09/2016
2462