+ A
A -
كيف يمكن لكل هذه النهضة الرقمية أن تصبح مصدراً لشقاء الإنسان بدلاً من أن تكون مصدراً لراحته. لن أتحدث هنا عن أي جانب من الجوانب السلبية لهذه التكنولوجيا الحديثة باستثناء الجانب الثقافي، فهذا الذي يعنيني في هذا المقال.
«توقفّوا عن جعل الحمقى مشاهير!» عبارة انتشرت في الأوساط الغربية بصياغتها الإنجليزية لتعبّر عن سخط البعض من سيطرة الحمقى على وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، بل وتمكنهم من الحصول على التأثير الأقوى على الشباب بشكل خاص ومستخدمي هذه الشبكات بشكل عام، وأعتقد أن هذه العبارة دقيقة جداً ولكنها ستذهب أدراج الريح بدون جدوى إن استمرت وسائل التواصل الاجتماعي بالسيطرة على الناس بهذا الشكل. الأمر بسيط، هناك جيل جديد لم يعرف عالماً خالياً من الانترنت، فهو يتعامل مع هذه الوسائل بقدسية، ويتعامل مع أرقام المتابعين وأعداد المشاهدات على أنها اعتراف رسمي وموّثق بالنجاح لأصحابها. جيل لا يستطيع أن يفرّق بين الشهرة والتأثير، فالطريق إلى الشهرة أصبح طريقاً للتأثير، والمأساة أن طريق الشهرة- خصوصاً في مثل هذه الوسائل- طريقٌ محفوفٌ بالتفاهة والشذوذ والسطحية.
في البداية، كان العالم الافتراضي يخدم العالم الحقيقي، ولكن اليوم أصبح العالم الحقيقي مهمّشاً أمام العالم الافتراضي، فالعالم الافتراضي هو وسيلة تعارف وكسب علاقات ومصدر دخل ومساحة لتفريغ الطاقات الإبداعية، وكل ما سبق أمرٌ جيّد، إلا أن المشكلة تكمن في أن هذا العالم الافتراضي لا يخضع لسلطة ولا لقواعد، وكما أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة فإن عدم السلطة المطلقة مفسدة مطلقة أيضاً.
لست من دعاة فرض القيود ولست من دعاة الحنين إلى الماضي، على العكس تماماً فأنا أحد المستفيدين من وسائل التواصل الاجتماعي بأقصى حد، ولكنّي ما زلت أعتبر أن هذه الوسائل ليست أكثر من مساحة تعبير أو تسويق لصاحب الموهبة، ولا يمكن أن تكون مساحة بديلة عن العالم الحقيقي.

بقلم : صلاح العرجاني
copy short url   نسخ
09/09/2016
5629